الكابتن / يحيى يحيى طـــه Admin
المساهمات : 2600 تاريخ التسجيل : 24/04/2008
| موضوع: عمير بن وهب 2 الأحد يناير 16, 2011 3:03 pm | |
| إذا كانت لحظة واحدة من الصدق، تلك التي أعلن فيها عمر إسلامه، تحظى من الإسلام بكل هذا التقدير والتكريم والمثوبة والإجلال، فان الإسلام إذن لهو دين عظيم..!! وفي لحظات عرف عمير واجبه تجاه هذا الدين.. أن يخدمه بقدر ما حاربه، وان يدعو إليه، بقدر ما دعا ضدّه.. وأن يري الله ورسوله ما يحب الله ورسوله من صدق، وجهاد وطاعة.. وهكذا أقبل على رسول الله ذات يوم، قائلا: " يا رسول الله: انب كنت جاهدا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله عز وجل، واني أحب أن تأذن لي فأقدم مكة، فأدعوهم إلى الله تعالى، والى رسوله، والى الإسلام، لعلّ الله يهديهم، وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أوذي أصحابك في دينهم".. في تلك الأيام، ومنذ فارق عمير مكة متوجها إلى المدينة كان صفوان بن أمية الذي أغرى عميرا بالخروج لقتل الرسول، يمشي في شوارع مكة مختالا، ويغشي مجالسها وندواتها فرحا محبورا..! وكلما سأله قومه وإخوته عن سر فرحته ونشوته، وعظام أبيه لا تزال ساخنة في حظائر بدر، يفرك كفّيه في غرور يقول للناس:" أبشروا بوقعة يأتيكم نبأها بعد أيام تنسيكم وقعة بدر"..! وكان يخرج إلى مشارف مكة كل صباح يسأل القوافل والركبان:" ألم يحدث بالمدينة أمر". وكانوا يجيبونه بما لا يحب ويرضى، فما منهم من أحد سمع أو رأى في المدينة حدثا ذا بال. ولم ييأس صفوان.. بل ظلّ مثابرا على مساءلة الركبان، حتى لقي بعضهم يوما فسأله:" ألم يحدث بالمدينة أمر"..؟؟ فأجابه المسافر: بلى حدث أمر عظيم..!! وتهللت أسارير صفوان وفاضت نفسه بكل ما في الدنيا من بهجة وفرح.. وعاد يسأل الرجل في عجلة المشتاق:" ماذا حدث اقصص عليّ".. وأجابه الرجل: لقد أسلم عمير بن وهب، وهو هناك يتفقه في الدين، ويتعلم القرآن"..!! ودرات الأرض بصفوان.. والوقعة التي كان يبشر بها قومه، والتي كان ينتظرها لتنسيه وقعة بدر جاءته اليوم في هذا النبأ الصاعق لتجعله حطاما..!! وذات يوم بلغ المسافر داره.. وعاد عمير إلى مكة شاهرا سيفه، متحفزا للقتال، ولقيه أول ما لقيه صفوان بن أمية.. وما كاد يراه حتى هم بمهاجمته، ولكن السيف المتحفز في يد عمير ردّه إلى صوابه، فاكتفى بأن ألقى على سمع عمير بعض شتائمه ثم مضى لسبيله.. دخل عمير بن وهب مكة مسلما، وهو الذي فارقها من أيام مشركا، دخلها وفي روعة صورة عمر بن الخطاب يوم أسلم، ثم صاح فور إسلامه قائلا: " والله لا أدع مكانا جلست فيه بالكفر، إلا جلست فيه بالإيمان". ولكأنما اتخذ عمير من هذه الكلمات شعارا، ومن ذلك الموقف قدوة، فقد صمم على نذر حياته للدين الذي طالما حاربه.. ولقد كان في موقف يسمح له بأن ينزل الأذى بمن يريد له الأذى.. وهكذا راح يعوّض ما فاته.. ويسابق الزمن إلى غايته، فيبشر بالاستلام ليلا ونهارا.. علانية وجهارا.. في قلبه إيمانه يفيض عليه أمنا، وهدى ونورا.. وعلى لسانه كلمات حق، يدعو بها إلى العدل والإحسان والمعروف والخير.. وفي يمينه سيف يرهب به الذين يصدّون عن سبيل الله من آمن به، ويبغونها عوجا. وفي بضعة أسابيع كان الذين هدوا إلى الإسلام على يد عمير يفوق عددهم كل تقدير يمكن أن يخطر ببال. وخرج عمير بهم إلى المدينة في موكب طويل مشرق. وكانت الصحراء التي يجتازونها في سفرهم لا تكتم دهشتها وعجبها من هذا الرجل الذي مرّ من قريب حاملا سيفه، حاثّا خطاه إلى المدينة ليقتل الرسول، ثم عبرها مرّة أخرى راجعا من المدينة بغير الوجه الذي ذهب به يرتل القرآن من فوق ظهر ناقته المحبورة.. ثم ها هو ذا يجتازها مرة ثالثة على رأس موكب كبير من المؤمنين يملئون رحابها تهليلا وتكبيرا.. أجل انه لنبأ عظيم.. نبأ شيطان قريش الذي أحالته هداية الله إلى حواريّ باسل من حوارييّ الإسلام، والذي ظلّ واقفا إلى جوار رسول الله في الغزوات والمشاهد، وظلّ ولاؤه لدين الله راسخا بعد رحيل الرسول عن الدنيا. وفي يوم فتح مكة لم ينس عمير صاحبه وقريبه صفوان بن أمية فراح إليه يناشده الإسلام ويدعوه أليه بعد أن لم يبق شك في صدق الرسول، وصدق الرسالة.. بيد أن صفوان كان قد شدّ رحاله صوب جدّة ليبحر منها إلى اليمن.. واشتدّ إشفاق عمير على صفوان، وصمم على أن يستردّه من يد الشيطان بكل وسيلة. وذهب مسرعا غالى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: " يا نبيّ الله إن صفوان بن أميّة سيّد قومه، وقد خرج هاربا منك ليقذف نفسه في البحر فأمّنه صلى الله عليك، فقال النبي: هو آمن. قال رسول الله فأعطني آية يعرف بها أمانك، فأعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل فيها مكة".. ولندع عروة بن الزبير يكمل لنا الحديث: " فخرج بها عمير حتى أدركه وهو يريد أن يركب البحر فقال: يا صفوان، فداك أبي وأمي.. الله الله في نفسك أن تهلكها.. هذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به.. قال له صفوان: ويحك، اغرب عني فلا تكلمني. قال: أي صفوان..فداك أبي وأمي، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الناس، وأبرّ الناس ، وأحلم الناس، وخير الإنس.. عزّه عزّك، وشرفه شرفك.. قال: إني أخاف على نفسي.. قال: هو أحلم من ذاك وأكرم.. فرجع معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقال صفوان للنبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا يزعم أنك أمّنتني.. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: صدق.. قال صفوان: فاجعلني فيه بالخيار شهرين.. قال صلى الله عليه وسلم: أنت بالخيار أربعة أشهر". وفيما بعد أسلم صفوان. وسعد عمير بإسلامه أيّما سعادة.. وواصل ابن وهب مسيرته المباركة إلى الله، متبعا أثر الرسول العظيم الذي هدى الله به الناس من الضلالة وأخرجهم من الظلمات إلى النور. | |
|