الكابتن / يحيى يحيى طـــه Admin
المساهمات : 2600 تاريخ التسجيل : 24/04/2008
| موضوع: عبد الله بن مسعود 1 الأحد يناير 16, 2011 6:48 am | |
| عبد الله بن مسعود - أول صادح بالقرآن
قبل أن يدخلا رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، كان عبد الله بن مسعود قد آمن به، وأبح سادس ستة أسلموا واتبعوا الرسول، عليه وعليهم الصلاة والسلام.. هو إذن من الأوائل المبكرين.. ولقد تحدث عن أول لقائه برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " كنت غلاما يافعا، أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر فقالا: يا غلام،هل عندك من لبن تسقينا..؟؟ فقلت: إني مؤتمن، ولست ساقيكما.. فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هل عندك من شاة حائل، لم ينز عليها الفحل..؟ قلت: نعم.. فأتيتهما بها، فاعلفها النبي ومسح الضرع.. ثم أتاه أبو بكر بصخرة متقعرة، فاحتلب فيها، فشرب أبو بكر ثم شربت..ثم قال للضرع: أقلص، فقلص.. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد لك، فقلت: علمني من هذا القول. فقال: انك غلام معلم"... لقد انبهر عبد الله بن مسعود حين رأى عبد الله الصالح ورسوله الأمين يدعو ربه، ويمسح ضرعا لا عهد له باللبن بعد، فهذا هو يعطي من خير الله ورزقه لبنا خالصا سائغا للشاربين..!! وما كان يدري يومها، أنه إنما يشاهد أهون المعجزات وأقلها شأنا، وأنه عما قريب سيشهد من هذا الرسول الكريم معجزات تهز الدنيا، وتملؤها هدى ونور.. بل ما كان يدري يومها، أنه وهو ذلك الغلام الفقير الضعيف الأجير الذي يرعى غنم عقبة بن معيط، سيكون إحدى هذه المعجزات يوم يخلق الإسلام منه مؤمنا بإيمانه كبرياء قريش، ويقهر جبروت سادتها.. فيذهب وهو الذي لم يكن يجرؤ أن يمر بمجلس فيه أحد أشراف مكة إلا مطرق الرأس حثيث الخطى.. نقول: يذهب بعد إسلامه إلى مجمع الأشراف عند الكعبة، وكل سادات قريش وزعمائها هنالك جالسون فيقف على رؤوسهم. ويرفع صوته الحلو المثير بقرآن الله: (بسم الله الرحمن الرحيم، الرحمن، علّم القرآن، خلق الإنسان، علّمه البيان، الشمس والقمر بحسبان، والنجم والشجر يسجدان). ثم يواصل قراءته. وزعماء قريش مشدوهون، لا يصدقون أعينهم التي ترى.. ولا آذانهم التي تسمع.. ولا يتصورون أن هذا الذي يتحدى بأسهم.. وكبريائهم..إنما هو أجير واحد منهم، وراعي غنم لشريف من شرفائهم.. عبدا لله بن مسعود الفقير المغمور..!! ولندع شاهد عيان يصف لنا ذلك المشهد المثير.. انه الزبير رضي الله عنه يقول: " كان أول من جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، إذ اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: والله ما سمعت قريش مثل هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعوه..؟؟ فقال عبد الله بن مسعود:أنا.. قالوا: إن نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرته يمنعونه من القوم إن أرادوه.. قال: دعوني، فان الله سيمنعني.. فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، فقام عند المقام ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم _رافعا صوته_ الرحمن.. علم القرآن، ثم استقبلهم يقرؤها.. فتأملوه قائلين: ما يقول ابن آم عبد..؟؟ انه ليتلو بعض ما جاء به محمد.. فقاموا إليه وجعلوا يضربون وجهه، وهو ماض في قراءته حتى بلغ منها ما شاء الله أن يبلغ.. ثم عاد إلى أصحابه مصابا في وجهه وجسده، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك.. فقال: ما كان أعداء الله أهون عليّ منهم الآن، ولئن شئتم لأغا دينهم بمثلها غدا.. قالوا: حسبك، فقد أسمعتهم ما يكرهون"..!! أجل ما كان ابن مسعود يوم بهره الضرع الحافل باللبن فجأة وقبل أوانه.. ما كان يومها يعلم أنه هو ونظراؤه من الفقراء والبسطاء، سيكونون إحدى معجزات الرسول الكبرى يوم يحملون راية الله، ويقهرون بها نور الشمس وضوء النهار..!! ما كان يعلم أن ذلك اليوم قريب.. ولكن سرعان ما جاء اليوم ودقت الساعة، وصار الغلام الأجير الفقير الضائع معجزة من المعجزات..!! لم تكن العين لتقع عليه في زحام الحياة.. بل ولا بعيدا عن الزحام..!! فلا مكان له بين الذين أوتوا بسطة من المال، ولا بين الذين أوتوا بسطة في الجسم، ولا بين الذين أوتوا حظا من الجاه.. فهو من المال معدم.. وهو في الجسم ناحل، ضامر.. وهو في الجاه مغمور.. ولكن الإسلام يمنحه مكان الفقر نصيبا رابيا وحظوظا وافية من خزائن كسرى وكنوز قيصر..! ويمنحه مكان ضمور جسمه وضعف بنيانه إرادة تقهر الجبارين، وتسهم في تغيير مصير التاريخ..! ويمنحه مكان انزوائه وضياعه، خلودا، وعلما وشرفا تجعله في الصدارة بين أعلام التاريخ..!! ولقد صدقت فيه نبوءة الرسول عليه الصلاة والسلام يوم قال له: " انك غلام معلّم" فقد علمه ربه، حتى صار فقيه الأمة، وعميد حفظة القرآن جميعا. يقول على نفسه: " أخذت من فم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة، لا ينازعني فيها أحد".. وكأنما أراد الله مثوبته حين خاطر بحياته في سبيل إن يجهر بالقرآن ويذيعه في كل مكان بمكة أثناء سنوات الاضطهاد والعذاب فأعطاه سبحانه موهبة الأداء الرائع في تلاوته، والفهم السديد في إدراك معانيه.. ولقد كان رسول الله يوصي أصحابه أن يقتدوا بابن مسعود فيقول: " تمسّكوا بعهد ابن أم عبد". ويوصيهم بأن يحاكوا قراءته،ويتعلموا منه كيف يتلو القرآن. يقول عليه السلام: " من أحب أن يسمع القرآن عصّا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد".. " من أحب أن يقرأ القرآن غصا كما أنزل، فليقرأه على قراءة ابن أم عبد"..!! ولطالما كان يطيب لرسول الله عليه السلام أن يستمع للقرآن من فم ابن مسعود.. دعاه يوما الرسول، وقال له: " اقرأ عليّ يا عبد الله".. قال عبد الله: " أقرأ عليك، وعليك أنزل يا رسول الله"؟! فقال له الرسول: "إني أحب أن أسمعه من غيري".. فأخذ ابن مسعود يقرأ من سورة النساء حتى وصل إلى قوله تعالى: (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا.. يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوّى بهم الأرض.. ولا يكتمون الله حديثا(.. فغلب البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفاضت عيناه بالدموع، وأشار بيده إلى ابن مسعود: أن" حسبك.. حسبك يا ابن مسعود".. وتحدث هو بنعمة الله فقال: " والله ما نزل من القرآن شيء إلا وأنا أعلم في أي شيء نزل، وما أحد أعلم بكتاب الله مني، ولو أعلم أحدا تمتطى إليه الإبل أعلم مني بكتاب الله لأتيته وما أنا بخيركم"!! ولقد شهد له بهذا السبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عنه أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه: " لقد ملئ فقها".. وقال أبو موسى الأشعري: " لا تسألونا عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم" ولم يكن سبقه في القرآن والفقه موضع الثناء فحسب.. بل كان كذلك أيضا سبقه في الورع والتقى. يقول عنه حذيفة: " ما رأيت أحدا أشبه برسول الله في هديه، ودلّه، وسمته من ابن مسعود... ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد لأقربهم إلى الله زلفى"..!! واجتمع نفر من الصحابة يوما عند علي ابن أبي طالب كرّم الله وجهه فقالوا له: "يا أمير المؤمنين، ما رأينا رجلا كان أحسن خلقا ولا أرفق تعليما، ولا أحسن مجالسة، ولا أشد ورعا من عبد الله بن مسعود.. قال علي: نشدتكم الله، أهو صدق من قلوبكم..؟؟ قالوا: نعم.. قال: اللهم إني أشهدك.. اللهم إني أقول مثل ما قالوا أو أفضل.. لقد قرأ القرآن فأحلّ حلاله، وحرّم حرامه..فقيه في الدين، عالم بالسنة"..! وكان أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام يتحدثون عن عبد الله بن مسعود فيقولون: " إن كان ليؤذن له إذا حججنا، ويشهد إذا غبنا".. وهم يريدون بهذا، أن عبد الله رضي الله عنه كان يظفر من الرسول صلى الله عليه وسلم بفرص لم يظفر بها سواه، فيدخل عليه بيته أكثر مما يدخل غيره ويجالسه أكثر مما يجالس سواه. وكان دون غيره من الصّحب موضع سرّه ونجواه، حتى كان يلقب بـ صاحب السواد أي صاحب السر.. يقول أبو موسى الشعري رضي الله عنه: "لقد رأيت النبي عليه الصلاة والسلام، وما أرى إلا ابن مسعود من أهله".. ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحبّه حبا عظيما، وكان يحب فيه ورعه وفطنته، وعظمة نفسه.. حتى قال الرسول صلى الله عليه وسلم فيه: " لو كنت مؤمّرا أحدا دون شورى المسلمين، لأمّرت ابن أم عبد".. وقد مرّت بنا من قبل، وصية الرسول لأصحابه: " تمسكوا بعهد ابن أم عبد"... | |
|