الكابتن / يحيى يحيى طـــه Admin
المساهمات : 2600 تاريخ التسجيل : 24/04/2008
| موضوع: خباب بن الأرت 2 الأربعاء ديسمبر 22, 2010 9:45 am | |
| كانت قريش تقاوم الإيمان بالعذاب.. وكان المؤمنون يقاومون العذاب بالتضحية.. وكان خبّاب واحدا من أولئك الذين اصطفتهم المقادير لتجعل منهم أساتذة في فن التضحية والفداء.. ومضى خبّاب ينفق وقته وحياته في خدمة الدين الذي خفقت أعلامه.. ولم يكتف رضي الله عنه في أيام الدعوة الأولى بالعبادة والصلاة، بل استثمر قدرته على التعليم، فكان يغشى بيوت بعض إخوانه من المؤمنين الذين يكتمون إسلامهم خوفا من بطش قريش، فيقرأ معهم القرآن ويعلمهم إياه.. ولقد نبغ في دراسة القرآن وهو يتنزل آية آية.. وسورة، سورة حتى إن عبدا لله بن مسعود، وهو الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من أراد أن يقرأ القرآن غصّا كما أنزل، فليقراه بقراءة ابن أم عبد"..نقول:حتى عبد الله بن مسعود كان يعتبر خبّابا مرجعا فيما يتصل بالقرآن حفظا ودراسة.. وهو الذي كان يدرّس القرآن لـ فاطمة بنت الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطاب متقلدا سيفه الذي خرج به ليصفي حسابه مع الإسلام ورسوله، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة التي كان يعلّم منها خبّاب، حتى صاح صيحته المباركة: " دلوني على محمد"...!! وسمع خبّاب كلمات عمر هذه، فخرج من مخبئه الذي كان قد توارى فيه وصاح: " يا عمر.. والله إني لأرجوا أن يكون الله قد خصّك بدعوة نبيّه صلى الله عليه وسلم، فاني سمعته بالأمس يقول: اللهم أعز الإسلام بأحبّ الرجلين إليك.. أبي الحكم بن هشام، وعمر بن الخطاب".. وسأله عمر من فوره: وأين أجد الرسول الآن يا خبّاب: " عند الصفا، في دار الأرقم بن أبي الأرقم".. ومضى عمر إلى حظوظه الوافية، ومصيره العظيم..!! شهد خبّاب بن الأرت جميع المشهد والغزوات مع النبي صلى الله عليه وسلم، وعاش عمره كله حفيظا على إيمانه ويقينه.... وعندما فاض بيت مال لمسلمين بالمال أيام عمر وعثمان، رضي الله عنهما، كان خبّاب صاحب راتب كبير بوصفه من المهاجرين لسابقين إلى الإسلام.. وقد أتاح هذا الدخل الوفير لخبّاب أن يبتني له دارا بالكوفة، وكان يضع أمواله في مكان ما من الدار يعرفه أصحابه وروّاده.. وكل من وقعت عليه حاجة، يذهب فيأخذ من المال حاجته.. ومع هذا فقد كان خبّاب لا يرقأ له جفن، ولا تجف له دمعة كلما ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الذين بذلوا حياهم الله، ثم ظفروا بلقائه قبل أن تفتح الدنيا على المسلمين، وتكثر في أيديهم الأموال. اسمعوه وهو يتحدث إلى عوّاده الذين ذهبوا يعودونه وهو رضي الله عنه في مرض موته. قالوا له: أبشر يا أبا عبدا لله، فانك ملاق أخواتك غدا.. فأجابهم وهو يبكي: " أما انه ليس بي جزع .. ولكنكم ذكّرتموني أقواما، وإخوانا، مضوا بأجورهم كلها أم ينالوا من الدنيا شيئا.. وإنا بقينا بعدهم حتى نلنا من الدنيا ما لم نجد له موضعا إلا التراب".. وأشار إلى داره المتواضعة التي بناها. ثم أشار مرة أخرى إلى المكان الذي فيه أمواله وقال: " والله ما شددت عليها من خيط، ولا منعتها من سائل"..! ثم التفت إلى كنفه الذي كان قد أعدّ له، وكان يراه ترفا وإسرافا وقال ودموعه تسيل: " أنظروا هذا كفني.. لكنّ حمزة عم الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوجد له كفن يوم استشهد إلا بردة ملحاء.... إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه"..!! ومات خبّاب في السنة السابعة والثلاثين للهجرة.. مات أستاذ صناعة السيوف في الجاهلية.. وأستاذ صناعة التضحية والفداء في الإسلام.!! مات الرجل الذي كان أحد الجماعة الذين نزل القرآن يدافع عنهم، ويحييهم، عندما طلب بعض السادة من قريش أن يجعل لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، وللفراء من أمثال :خبّاب، وصهيب، وبلال يوما آخر. فإذا القرآن العظيم يختص رجال الله هؤلاء في تمجيد لهم وتكريم، وتهل آياته قائلة للرسول الكريم:
( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه، ما عليك من حسابهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا: أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟! أليس الله بأعلم بالشاكرين وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا، فقل سلام عليكم، كتب ربكم على نفسه الرحمة).. وهكذا، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يراهم بعد نزول الآيات حتى يبالغ في إكرامهم فيفرش لهم رداءه، ويربّت على أكتافهم، ويقول لهم: " أهلا بمن أوصاني بهم ربي".. أجل.. مات واحد من الأبناء البررة لأيام الوحي، وجيل التضحية... ولعل خير ما نودّعه به، كلمات الإمام علي كرّم الله وجهه حين كان عائدا من معركة صفين، فوقعت عيناه على قبر غضّ رطيب، فسأل: قبر من هذا..؟ فأجابوه: انه قبر خبّاب.. فتملاه خاشعا آسيا، وقال: رحم الله خبّابا.. لقد أسلم راغبا. وهاجر طائعا.. وعاش مجاهدا.. اللهم اجمعنا معهم في الجنة يارب العالمين ... | |
|