الكابتن / يحيى يحيى طـــه Admin
المساهمات : 2600 تاريخ التسجيل : 24/04/2008
| موضوع: حذيفة بن اليمان 2 الثلاثاء ديسمبر 21, 2010 1:41 pm | |
| لقد رأى أباه المسلم يصرع يوم أحد..وبأيد مسلمة، قتلته خطأ وهي تحسبه واحدا من المشركين..!! وكان حذيفة يتلفت مصادفة، فرأى السيوف تناوشه، فصاح في ضاربيه: أبي... أبي.. انه أبي..!! لكن القضاء كان قد حم.. وحين عرف المسلمون، تولاهم الحزن والوجوم.. لكنه نظر إليهم نظرة إشفاق ومغفرة، وقال: " يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين".. ثم انطلق بسيفه صوب المعركة المشبوبة يبلي فيها بلاءه، ويؤدي واجبه.. وتنتهي المعركة، ويبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر بالدية عن والد حذيفة "حسيل بن جابر" رضي الله عنه، ويتصدّق بها على المسلمين، فيزداد الرسول حبا له وتقديرا... وإيمان حذيفة وولاؤه، لا يعترفان بالعجز، ولا بالضعف..بل ولا بالمستحيل.... في غزوة الخندق..وبعد أن دبّ الفشل في صفوف كفار قريش وحلفائهم من اليهود، أراد رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يقف على آخر تطوّرات الموقف هناك في معسكر أعدائه. كان الليل مظلما ورهيبا.. وكانت العواصف تزأر وتصطخب، كأنما تريد أن تقتلع جبال الصحراء الراسيات من مكانها.. وكان الموقف كله بما فيه من حصار وعناد وإصرار يبعث على الخوف والجزع، وكان الجوع المضني قد بلغ مبلغا وعرا بين أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم.. فمن يملك آنئذ القوة،وأي قوة ليذهب وسط مخاطر حالكة إلى معسكر الأعداء ويقتحمه، أو يتسلل داخله ثم يبلوا أمرهم ويعرف أخبارهم..؟؟ أن الرسول هو الذي سيختار من أصحابه من يقوم بهذه المهمة البالغة العسر.. ترى من يكون البطل..؟ انه هو..حذيفة بن اليمان..! دعاه الرسول صلى الله عليه وسلم فلبى، ومن صدقه العظيم يخبرنا وهو يروي النبأ أنه لم يكن يملك إلا أن يلبي.. مشيرا بهذا إلى أنه كان يرهب المهمة الموكولة إليه، ويخشى عواقبها، والقيام بها تحت وطأة الجوع، والصقيع، والإعياء الجديد الذي خلفهم فيه حصار المشركين شهرا أو يزيد..! وكان أمر حذيفة تلك الليلة عجيبا... فاقد قطع المسافة بين المعسكرين، واخترق الحصار.. وتسلل إلى معسكر قريش، وكانت الريح العاتية قد أطفأت نيران المعسكر، فخيّم عليه الظلام،واتخذ حذيفة رضي الله عنه مكانه وسط صفوف المحاربين... وخشي أبو سفيان قائد قريش، أن يفاجئهم الظلام بمتسللين من المسلمين، فقام يحذر جيشه، وسمعه حذيفة يقول بصوته المرتفع: " يا معشر قريش، لينظر كل منكم جليسه، وليأخذ بيده، وليعرف اسمه". يقول حذيفة" " فسارعت إلى يد الرجل الذي بجواري، وقلت لهمن أنت..؟ قال: فلان بن فلان؟"... وهكذا أمّن وجوده بين الجيش في سلام..! واستأنف أبو سفيان نداءه إلى الجيش قائلا:" يا معشر قريش.. إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام.. لقد هلكت الكراع _ أي الخيل_ والخف_ أي الإبل_، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من شدّة الريح، ما تطمئن لنا قدر، ولا تقوم لنا نار، ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فاني مرتحل".. ثم نهض فوق جمله، وبدأ المسير فتبعه المحاربون.. يقول حذيفة: " لولا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي ألا تحدث شيئا حتى تأتيني، لقتلته بسهم".. وعاد حذيفة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأخبره الخبر، وزف البشرى إليه... ومع هذا فان حذيفة يخلف في هذا المجال كل الظنون.. ورجل الصومعة العابد، المتأمل لا يكاد يحمل سيفه ويقابل جيوش الوثنية والضلال حتى يكشف لنا عن عبقرية تبهر الأبصار.. وحسبنا أن نعلم، أنه كان ثالث ثلاثة، أو خامس خمسة كانوا أصحاب السبق العظيم في فتوح العراق جميعها..! وفي همدان والري والدينور تم الفتح على يديه.. وفي معركة نهاوند العظمى، حيث احتشد الفرس في مائة ألف مقاتل وخمسين ألفا.. اختار عمر لقيادة الجيوش المسلمة النعمان بن مقرّن ثم كتب إلى حذيفة أن يسير إليه على رأس جيش من الكوفة.. وأرسل عمر إلى المقاتلين كتابه يقول: " إذا اجتمع المسلمون فليكن على كل أمير جيشه.. وليكن أمير الجيوش جميعها النعمان بن مقرّن.. فإذا استشهد النعمان، فليأخذ الراية حذيفة، فإذا استشهد فجرير بن عبدا لله.. وهكذا مضى أمير المؤمنين يختار قوّاد المعركة حتى سمّى منهم سبع... والتقى الجيشان.. الفرس في مائة ألف وخمسين ألفا.. والمسلمون في ثلاثين ألفا لاغير... وينشب قتال يفوق كل تصور ونظير ودارت معركة من أشد معارك التاريخ فدائية وعنفا.. وسقط قائد المسلمين قتيلا، سقط النعمان بن مقرّن، وقبل أن تهوي الراية المسلمة إلى الأرض كان القائد الجديد قد تسلمها بيمينه، وساق بها رياح النصر في عنفوان لجب واستبسال عظيم... ولم يكن هذا القائد سوى حذيفة بن اليمان... حمل الراية من فوره، وأوصى بألا ندع نبأ موت النعمان حتى تنجلي المعركة.. ودعا نعيم بن مقرن فجعله مكان أخيه النعمان تكريما له.. أنجزت المهمة في لحظات والقتال يدور، بديهيته المشرقة.. ثم انثنى كالإعصار المدمدم على صفوف الفرس صائحا: " الله أبكر صدق وعده!! الله أكبر نصر جنده!!" ثم لوي زمام فرسه صوب المقاتلين في جيوشه ونادى: يا أتباع محمد.. هاهي ذي جنان الله تتهيأ لاستقبالكم فلا تطيلوا عليها الانتظار.. هيا يا رجال بدر.. تقدموا يا أبطال الخندق وأحد وتبوك.. لقد احتفظ حذيفة بحماسة المعركة وأشواقها، إن لم يكن قد زاد منها وفيها.. وانتهى القتال بهزيمة ساحقة للفرس.. هزيمة لا نكاد نجد لها نظيرا..!! هذا العبقري في حمته، حين تضمّه صومعته.. والعبقري في فدائيته، حين يقف فوق أرض القتال.. هو كذلك العبقري في كل مهمة توكل إليه، ومشورة تطلب منه.. فحين انتقل سعد بن أبي وقاص والمسلمون معه من المدائن إلى الكوفة واستوطنوها.. وذلك بعد أن أنزل مناخ المدائن بالعرب المسلمين أذى بليغا. مما جعل عمر يكتب إلى سعد كي يغادرها فورا بعد أن يبحث عن أكثر البقاع ملائمة، فينتقل بالمسلمين إليها..يومئذ من الذي وكل إليه أمر اختيار البقعة والمكان..؟ انه حذيفة بن اليمان.. ذهب ومعه سلمان بن زياد، يرتادان لمسلمين المكان الملائم.. فلما بلغا أرض الكوفة، وكانت حصباء جرداء مرملة. شمّ حذيفة عليها أنسام العافية، فقال لصاحبه: هنا المنزل إن شاء الله..وهكذا خططت الكوفة وأحالتها يد التعمير إلى مدينة عامرة... وما كاد المسلمون ينتقلون إليها، حتى شفي سقيمهم. وقوي ضعيفهم. ونبضت بالعافية عروقهم..!! لقد كان حذيفة واسع الذكاء، متنوع الخبرة، وكان يقول للمسلمين دائما: " ليس خياركم الذين يتركون الدنيا للآخرة.. ولا الذين يتركون الآخرة للدنيا.. ولكن الذين يأخذون من هذه ومن هذه"... وذات يوم من أيام العام الهجري السادس والثلاثين..دعي للقاء الله.. وإذ هو يتهيأ للرحلة الأخيرة دخل عليه بعض أصحابه، فسألهم: أجئتم معكم بأكفان..؟؟ قالوا: نعم.. قال: أرونيها.. فلما رآها، وجدها جديدة فارهة.. فارتسمت على شفتيه آخر بسماته الساخرة، وقال لهم: " ما هذا لي بكفن.. إنما يكفيني لفافتان بيضاوان ليس معهما قميص.. فاني لن أترك في القبر إلا قليلا، حتى أبدّل خيرا منهما... أو شرّ منهما"..!! وتمتم بكلمات، ألقى الجالسون أسماعهم فسمعوها: " مرحبا بالموت.. حبيب جاء على شوق.. لا أفلح من ندم".. وصعدت إلى الله روح من أعظم أرواح البشر، ومن أكثرها تقى، وتألقا، وإخباتا... | |
|