الكابتن / يحيى يحيى طـــه Admin
المساهمات : 2600 تاريخ التسجيل : 24/04/2008
| موضوع: أبو الدرداء 2 الإثنين ديسمبر 20, 2010 12:34 pm | |
| انه متأثر حتى أعماق روحه بآيات القرآن الرادعة عن: )الذي جمع مالا وعدّده.. يحسب أن ماله أخلده( ... ومتأثر حتى أعماق روحه بقول الرسول: " ما قلّ وكفى، خير مما كثر وألهى".. ويقول عليه السلام: " تفرّغوا من هموم الدنيا ما استطعتم، فانه من كانت الدنيا أكبر همّه، فرّق الله شمله، وجعل فقره بين عينيه.. ومن كانت الآخرة أكبر همّه جمع شمله، وجعل غناه في قلبه، وكان الله إليه بكل خير أسرع". من أجل ذلك، كان يرثي لأولئك الذين وقعوا أسرى طموح الثروة ويقول: " اللهم إني أعوذ بك من شتات القلب".. سئل: وما شتات القلب يا أبا الدرداء..؟؟ فأجاب: أن يكون لي في كل واد مال"..!! وهو يدعو الناس إلى امتلاك الدنيا والاستغناء عنها.. فذلك هو الامتلاك الحقيقي لها.. أما الجري وراء أطماعها التي لا تؤذن بالانتهاء، فذلك شر ألوان العبودية والرّق. هنالك يقول: " من لم يكن غنيا عن الدنيا، فلا دنيا له".. والمال عنده وسيلة للعيش القنوع معتدل ليس غير. ومن ثم فان على الناس أن يأخذوه من حلال، وأن يكسبوه في رفق واعتدال، لا في جشع وتهالك. فهو يقول: " لا تأكل إلا طيّبا.. ولا تكسب إلا طيّبا.. ولا تدخل بيتك إلا طيّبا". ويكتب لصاحب له فيقول: ".. أما بعد، فلست في شيء من عرض الدنيا، وإلا وقد كان لغيرك قبلك.. وهو صائر لغيرك بعدك.. وليس لك منه إلا ما قدّمت لنفسك... فآثرها على من تجمع المال له من ولدك ليكون له إرثا، فأنت إنما تجمع لواحد من اثنين: إما ولد صالح يعمل فيه بطاعة الله، فيسعد بما شقيت به.. وإما ولد عاص، يعمل فيه بمعصية الله، فتشقى بما جمعت له، فثق لهم بما عند الله من رزق، وانج بنفسك"..! كانت الدنيا كلها في عين أبي الدرداء مجرّد عارية.. عندما فتحت قبرص وحملت غنائم الحرب إلى المدينة رأى الناس أبا الدرداء يبكي... واقتربوا مدهشين يسألونه، وتولى توجيه السؤال إليه:" جبير بن نفير": قال له: " يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله"..؟؟ فأجاب أبو الدرداء في حكمة بالغة وفهم عميق: ويحك يا جبير.. ما أهون الخلق على الله إذا هم تركوا أمره.. بينما هي أمة، ظاهرة، قاهرة، لها الملك، تركت أمر الله، فصارت إلى ما ترى"..! أجل.. وبهذا كان يعلل الانهيار السريع الذي تلحقه جيوش الإسلام بالبلاد المفتوحة، إفلاس تلك البلاد من روحانية صادقة تعصمها، ودين صحيح يصلها بالله.. ومن هنا أيضا، كان يخشى على المسلمين أياما تنحلّ فيها عرى الإيمان، وتضعف روابطهم بالله، وبالحق، وبالصلاح، فتنتقل العارية من أيديهم، بنفس السهولة التي انتقلت بها من قبل إليهم..!! وكما كانت الدنيا بأسرها مجرّد عارية في يقينه، كذلك كانت جسرا إلى حياة أبقى وأروع.. دخل عليه أصحابه يعودونه وهو مريض، فوجدوه نائما على فراش من جلد.. فقالوا له:" لو شئت كان لك فراش أطيب وأنعم.." فأجابهم وهو يشير بسبّابته، وبريق عينيه صوب الأمام البعيد: " إن دارنا هناك.. لها نجمع.. واليها نرجع.. نظعن إليها. ونعمل لها"..!! وهذه النظرة إلى الدنيا ليست عند أبي الدرداء وجهة نظر فحسب بل ومنهج حياة كذلك.. خطب يزيد بن معاوية ابنته الدرداء فردّه، ولم يقبل خطبته، ثم خطبها واحد من فقراء المسلمين وصالحيهم، فزوّجها أبو الدرداء منه. وعجب الناس لهذا التصرّف، فعلّمهم أبو الدرداء قائلا: " ما ظنّكم بالدرداء، إذا قام على رأسها الخدم والخصيا وبهرها زخرف القصور.. أين دينها منها يومئذ"..؟! هذا حكيم قويم النفس، ذكي الفؤاد.. وهو يرفض من الدنيا ومن متاعها كل ما يشدّ النفس إليها، ويولّه القلب بها.. وهو بهذا لا يهرب من السعادة بل إليها.. فالسعادة الحق عنده هي أن تمتلك الدنيا، لا أن تمتلكك أنت الدنيا.. وكلما وقفت مطالب الناس في الحياة عند حدود القناعة والاعتدال وكلما أدركوا حقيقة الدنيا كجسر يعبرون عليه إلى دار القرار والمآل والخلود، كلما صنعوا هذا، كان نصيبهم من السعادة الحق أوفى وأعظم.. وانه ليقول: " ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك، ويكثر علمك، وأن تباري الناس في عبادة الله تعالى".. وفي خلافة عثمان رضي الله عنه، وكان معاوية أميرا على الشام نزل أبو الدرداء على رغبة الخليفة في أن يلي القضاء.. وهناك في الشام وقف بالمرصاد لجميع الذين أغرّتهم مباهج الدنيا، وراح يذكّر بمنهج الرسول في حياته، وزهده، وبمنهج الرعيل الأول من الشهداء والصدّيقين.. وكانت الشام يومئذ حاضرة تموج بالمباهج والنعيم.. وكأن أهلها ضاقوا ذرعا بهذا الذي ينغصّ عليهم بمواعظه متاعهم ودنياهم.. فجمعهم أبو الدرداء، وقام فيهم خطيبا: " يا أهل الشام.. أنتم الإخوان في الدين، والجيران في الدار، والأنصار على الأعداء.. ولكن مالي أراكم لا تستحيون..؟؟ تجمعون ما لا تأكلون.. وتبنون ما لا تسكنون.. وترجون ما لا تبلّغون.. وقد كانت القرون من قبلكم يجمعون، فيوعون.. ويؤمّلون، فيطيلون.. ويبنون، فيوثقون.. فأصبح جمعهم بورا.. وأماهم غرورا.. وبيوتهم قبورا.. | |
|