ماذا فعل العظماء في أوقات فراغهم؟
أعزائي الشباب..أهلاً بكم
الشاب الناجح لا يستمريء البطالة أياً كانت صورتها أو مسمّاها، فقد تعوّد على تفعيل وقته واستثماره بنجاح، واليوم نناقش مشكلة الشاب الناجح أيضاً ولكن الذي لا يحسن تفعيل وقت فراغه فقط، فهو إن كان في قالب الدراسة أو العمل كان فعّالاً منتجاً، لكن المشكلة عنده هي أنه لا يمتلك خطة جيدة لاستثمار أوقات فراغه..!
البعض قد لا يعتبرها مشكلة، أو يفترض أن "الترفيه" هو التصور الوحيد لقضاء أوقات الفراغ، لكن الحقيقة أننا نختلف معهم، فأوقات الفراغ كنز ثمين لا يستهان به..
ما المقصود بـ(وقت الفراغ) ؟
إذا بحثنا في معاجم اللغة نجد أن الفراغ يعني: الخلاء، السعة، الصب، الهدر، والاستعمال العرفي للكلمة لا يبعد عن الوضع اللغوي.
وقد عرف وقت الفراغ بأنه: «الوقت الفائض عن العمل وواجبات الحياة الأخرى : مثل النوم، والأكل، وتحقيق الحاجيات الفسيولوجية، والذي يكون مفيدا للاسترخاء والتسلية والتكوين الاجتماعي أو النمو الشخصي ».
اتجاهات الناس حيال أوقات الفراغ:
العديد من الدراسات التربوية والاجتماعية والاقتصادية أجريت لبحث موضوع وقت الفراغ، وأظهرت دراسات مختلف الباحثين أن الفراغ عند الذكور أكثر من الإناث، ذلك أن الأنثى غالبا ما تضيف إلى عملها الرئيس أعمالا إضافية لا تترك لها مجالا للفراغ، كما أن أوقات الفراغ عند الصغار أكثر منها عند الكبار، وأوقات فراغ العمال والموظفين أكثر من أوقات فراغ الطلاب، وبينما يتسع وقت الفراغ لدى الأسر الميسورة يضيق عند الأسر الفقيرة التي قد تلجأ أفرادها للقيام بأعمال إضافية من أجل تأمين احتياجاتهم الضرورية.
وما المشكلة إذا كان لديك وقت فراغ؟
المشكلة أنّ الفراغ لا يبقى فراغا أبدا، بل لابد أن يُملأ بخير أو شر، ومن لا يشغل نفسه بالحق شغلته نفسه بالباطل، فطوبى لمن ملأه بالخير، والضياع والويل لمن ملأه بالشر والفساد
يقول ابن القيم: « ومن أعظم الأشياء ضررا على العبد بطالته وفراغه، فإن النفس لا تقعد فارغة، بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ولابد»، إن عدم استثمار وقت الفراغ استثمارا يحقق التنمية الشخصية يتسبب في تحويله إلى نقمة على المرء، وعلى مجتمعه أيضاً إذا طال وقت الفراغ.
عزيزي الشاب.. قد يهجس لك الشيطان فيغريك ويمد لك في حبال الأماني الكاذبة فيقول لك : إنك ما زلت ترفل في حميا الشباب ومازال العمر ممتدًا لتحقيق الآمال ، ولكنها وساوس خبيثة تجعل الشاب بعد أن أصبح في عداد الشيوخ ينظر إلى عمره الذي ولى وكأنه حلم نائم ..
وَقْتْ الفَرَاغْ مِنْ ذَهَبْ!
بل هو أغلى من الذهب، وكثير من الناس لا يعرف قدره أو يحسن استغلاله، ولذلك قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ».
وصدق قول الشاعر:
اثنان لو بكت الدماء عليهمـا عيناي حتى يؤذنا بذهـاب
لم يبلغا المعشار من حقيهما فقدُ الشباب وفرقة الأحباب
استثمار الفراغ منهج حياة..إلى نهاية الحياة..!
حسن توظيف أوقات الفراغ لا يفيد الشباب فقط، بل هو منهج حياة، إلى نهاية العمر، والتجربة خير برهان، فقد أثبتت الدراسات أن تخطيط وقت الفراغ والاستفادة منه يفيد كبار السن نفسياً وبدنياً مقارنةً إلى أولئك الذين يتركون أنفسهم بلا خطة أو عمل في نهاية أعمارهم عندما تكون المسئوليات قد خفت إلى حد كبير وتوفر لديهم حيزاً كبيرا من الوقت ، فالرجل الطاعن في السن عندما لا يحسن تنظيم وقت فراغه، قد يعرضه ذلك للمرض ومن ثم الموت، أما أولئك الذين يحسنون شغل أوقات فراغهم، ويحتفظون بنشاطهم البدني والذهني فإنهم عادة ما يعمرون أطول ويتمتعون بصحة أحسن.
والشباب أولى بذلك..!
ونحن نعلم كيف كان موقع الشباب في صدر الإسلام ، وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لم يترك الشباب من حوله وقوداً هشاً لنار الفراغ المحرقة ..بل أحسن توجيههم وتربيتهم على حسن استثمار جميع أوقات اليوم والليلة، ونبذ الفراغ والاستعاذة بالله من الكسل
فلا عجب إذا رأينا رجلاً "مونتجمرى" يقول في كتابه ( محمد في مكة ):
"إن الإسلام كان في الأساس حركة شباب" .
نعم .. كان حركة شباب، وبسواعدهم ارتفع البناء شامخاً يناطح الجوزاء ..
وعلى هذا النهج السامي في تربية الشباب سار خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فنجد عمر ـ رضي الله عنه ـ يخاف على الشباب غوائل الفراغ فينبه ولاته إلى ذلك قائلا لأحدهم: "يا هذا إن الله قد خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في طاعة عملاً التمست في المعصية أعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك المعصية " .
ويوجهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الوقت من النعم التي قد لا يشعر بها الإنسان فيقول: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .
ويصور الحق ـ تبارك وتعالى ـ مشاهد الحسرة التي تقطع نياط قلوب الغافلين عند الموت فيقول : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) - المؤمنون:100-
ولأن هذه الأعمار كانت خراباً وصفراً من كل عمل نافع من الأعمال الصالحة .. فإن أصحابها يتوهمون أن عشرات السنين التي مكثوا فيها على الأرض ما هي ألا ساعة ، أو عشية وضحاها أو يوم أو بعض يوم ..
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) [الروم:55]
فوقت الإنسان هو عمره ، وهو أغلى من الذهب، لأن الذهب يذهب ويعود والعمر إذا ذهب فإنه لا يعود.
ماذا فعل العظماء في أوقات فراغهم؟
عزيزي الشاب..هل تعلم أن الفراغ الذي تعاني منه قد حدا بعمالقة البشر إلى أن يستثمروه في الحصول على بطولات رياضية، أو انتصارات علمية تنعم البشرية في ظلها اليوم، ففرضوا أنفسهم على الناس أحياء وأمواتاً، ولم يذهبوا كغثاء السيل ، ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا نسخاً مكررة من ملايين النسخ التي تشاهدها في النماذج البشرية كل يوم، وإنما رحلوا عن الدنيا وقد تركوا بصماتهم عليها ..
تقول "دروثي كارنيجي": وكثيرون هم الناجحون الذين بلغوا ذروة النجاح معتمدين على ما جنوه من علم ومعرفة خلال أوقات فراغهم ..
- كان " تشارلز فروست": إسكافيا ولكنه استطاع أن يصبح من المبرزين في الرياضيات بتخصيص ساعة واحدة من يومه للدراسة .
- وكان " جون هتنر" نجاراً .. ثم شرع يدرس ( التشريح المقارن ) في أوقات فراغه، مخصصاً لنومه أربع ساعات وحسب من الليل، حتى أصبح حجة في هذا الميدان ..
- واستطاع " سير جون لايوك " أن يقتطع من يومه المزدحم بالعمل بوصفه مديراً لأحد المصارف ـ ساعات يقضيها في دراسة التاريخ حتى أصبح علماً بين المؤرخين .
- ودرس "جيمس واط" الكيمياء والرياضة في أثناء اشتغاله بالتجارة فأمكنه أن يخترع المحرك البخاري..
طور نفسك من خلال أوقات فراغك
- ممارسة الهوايات:يعتبر وقت الفراغ الحل الأمثل لتجديد الأنشطة وممارسة الهوايات من جديد، حيث أن ذلك يساهم في شحن الجسم بالطاقة الإيجابية والنشاط، كما يمنحك الفرصة لتطوير مهاراتك
- تحسين التفاعل الاجتماعي:يمكن استغلال وقت الفراغ كفرصة مثالية لإتمام الزيارات العائلية والتنزّه مع الأصدقاء أو إجراء بعض مكالمات السؤال عن الأقارب، فهذا يوفّر نوع من أنواع التوازن بين العمل والحياة ويحسّن من القدرة على استثمار الوقت.
- تطوير المهارات: يمكن تخصيص بعض أوقات الفراغ لتعلم أمور جديدة، مثل تعلم لغة جديدة غير لغتك، أو أن تقوم بتعلّم مهارات جديدة مثل كيف تصلح سيارتك، أو أن تطور أداءك في العمل فتبحث عن مهارات ومعلومات جديدة تساهم في زيادة إنتاجيتك وتطوير مهاراتك الوظيفية.
- استغلال هوامش الوقت: يمكنك أن تضع معك مجموعة من الكتب وأهمها (كتاب الله عز وجل لقرآن الكريم) أو كتيّبات صغيرة الحجم داخل سيارتك، أو خلال فترات الانتظار في المستشفيات حيث تستطيع أن تقرأ هذه الكتيبات والاستفادة من الوقت المهدور.
وأخيراً أعزائي الشباب..
إنّ مرحلة الشباب هي مرحلة الطاقة المتوقدة والحيوية المتدفقة، والعطاء بغير حدود .. والفترة التي تستطيع فيها أن تصنع العجائب .. وآمالك ومستقبلك إذا لم يتحقق في هذه المرحلة فعليك العفاء..
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه عسير