بسم الله الرحمن الرحيم
تـــــــــأمــلات قــرآنـيـة
فـي ســورة الـبــقــرة
الشيخ :
صالح بن عواد المغامسي
الحمد الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا , و أشهد أن لا إله إلا الله وحدة لا شريك له خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى 0
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
أمـــا بــعـــــد .
أيها الإخوة المؤمنون السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
جميع العلوم تفيء إلى القرآن الكريم
نذكر بأمور وهي أن القرآن أم العلوم كلها وأن الإنسان إذا قدر له أن يفقه كتاب الله أصبح بيده مقاليد العلم كلها ذلك أن جميع العلوم تفيء إلى القران على أننا ونحن نشرح قد نطيل الوقف عند آية ونتجاوز أية أخرى على هيئة أسرع والمقصود أن الآيات تتفاوت فيما نريد إيصاله لك كطالب علم في المقام الأول .
وقد نقل الشيخ عطية محمد سالم رحمه الله عن شيخه الإمام الشنقيطي صاحب كتاب أضواء البيان رحمه الله نقل عنه انه سئل الشيخ "أي الشيخ عطية سأل الشيخ محمد الأمين عندما كان يفسر القران في مسجد رسول الله صلى الله علية وسلم قال له: إنك رجل ذو باع عظيم في العلم فلماذا اخترت التفسير دون سائر العلوم مع قدرتك على إتيان كثير من المسائل وشرحها ؟
فقال الشيخ ـ رحمه الله ـ وهو العارف بكتاب الله قال : إن العلوم كلها تفيء إلى القران أو نحو ذلك من المعنى والمقصود إن هناك مسائل في العقيدة ومسائل في الفقه ومسائل في التربية ومسائل في الدعوة متنوعة متعددة نقف عند كثير منها قدر المستطاع ونحاول أن نكثر من بعضها ونقلل من بعضها بحسب ما يمليه الموقف وبحسب ما تمليه الآية كما أننا نخاطب في المقام الأول طلبة العلم فلذلك قد لا يغلب الوعظ على الدرس كله وإن كان لابد منه ولكن المقصود أن مما يعين طالب العلم على طلب العلم بعد الاستعانة بالله إن يجد مادة علمية يعقد عليها خنصره وبنصره فإذا وجد شيء يعقد عليه وزاد الكم الذي يأخذه مع مراجعته إياه استمر في الطريق ولكن إن وجد طالب العلم نفسه يقول ويكرر مسائل معدودة بعينها تمر عليه الشهور والأيام وهو مازال رهين مسائل معدودة أصابه سآمة وملل من العلم نفسه وهذا ما نحاول قدر الإمكان تلافيه .
هذا التأصيل أحببت أن أبينه قبل الشروع في التفسير ....
حقيقة البعث والنشور
يبين الله جل وعلا في قوله في سورة البقرة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ{22} "
قلنا المناسبة :. إن الله لما ذكر أصناف الخلق الثلاثة ( المراد بهم المؤمنون , الكفار , المنافقون ) خاطبهم أجمعين بعبارة " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ . . . إلى آخر الآيتين " أراد الله من هذا أن يبين حقيقة البعث والنشور.
و ذكر في هذه الآيتين ثلاثة براهين على وجود البعث والنشور
البرهان الأول: هو ( الإيجاد و الخلق الأول ) وهذا بقوله " اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ " ومعلوم قطعاً أن من قدر على الخلق الأول قادر على الخلق الثاني وهذا بينة الله في غير سوره .
وقلنا نحن نبين لك كيف تفسر كتاب الله لا نريد أن نلقن وتحفظ كيف تفسر كتاب الله , هذه الطريقة بينها الله في أشياء عدة قال الله جل وعلا في سورة يس : " وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ " وقال أيضاً في سورة الإسراء : " فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ " فالاتكاء في الدليل على الإيجاد الأول هذا أول البراهين على أن هناك بعث ونشور .
البرهان الثاني
ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان) , وفائدة الذكر أن من قدر على خلق الأعلى قادر على أن يخلق ما هو دونه , والله جل وعلا خلق السموات والأرض فمن باب أولى هو قادر على أن يحي الناس بعد موتهم ودليل هذا في القران في سورة فاطر " لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ " وقوله في سورة يس : "أَوََلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ "
البرهان الثالث
القياس ) و أن الله جل وعلا قال " وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ " فالأرض كونها ميتة وينزل عليها من السماء "أي من السحاب "مطراًً فتحيى من جديد هذا يدل على أن من أحياها قادراً على أن يكون على يديه البعث والنشور وهذا يفسره القرآن قال الله جل وعلا في سورة فصلت : " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " فبين سبحانه بأنه القادر على أن يحي الأرض بعد موتها قادر بقدرته وعظمته وجبروته وعزته وسلطانه على أن يحي الناس ويعيدهم بعثاً ونشوراً بعد أن كانوا أمواتاً .
فاجتمعت في هاتين الآيتين ثلاثة براهين على إثبات حقيقة البعث والنشور
هذا التفسير المجمل للآيتين.
أما التفسير التفصيلي مما يتعلق بالمفردات وغيرها فقوله جل وعلا " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " هذا تلازم مابين العبادة والتقوى فالعبد إذا عبد الله فقد اتقاه وإذا اتقاه فقد عبده " لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ{21} الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً " أي تطئون عليها ممهدة ميسرة وهذا ظاهر لكل ذي عينين " وَالسَّمَاء بِنَاء" الأصل أن السماء في اللغة كل ما أضلك فهو سماء
وأرضك كل مكرمة بنتها *** بنو تيم وأنت لها سماء
أي وأنت لها سقف , كل ما أضلك فهو سماء لكن المقصود بالآية هنا السماوات السبع وسيأتي تفصيلها في آيات أخرى ,
" وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ " السماء هنا ليس المقصود بها السموات السبع المقصود به السحاب بالقرينة الموجودة وهو أن المطر ينزل من السحاب , " وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ " الباء هنا سببية أي فأخرج لك بسبب الماء من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعمون لما قال الله جل وعلا هذه البراهين الثلاثة التي تدل على قدرته وعلى ربوبيته وعلى أنه لا ريب غيره ولا إله سواه قال مطالباً عباده بقوله " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً " .
الند هو الشريك ـ المثيل ـ النظير ولا يوجد لله شريك ولا ند ولا مثيل ولا نظير" لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ " لذلك ما بني الدين إلا أنه لا يعبد إلا الله وما أرسلت الرسل وما أنزلت الكتب وما أُقيمت الموازين ولا نصبت البراهين إلا ليعبد الله وحده دون سواه من أجل هذا خلق الله جلا وعلا الخلق كلهم قال سبحانه في سورة الداريات : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ{57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ " .
أكبر الكبائر
** " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " قبل أن تتلوها لا تفهم أن " وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " هذه متعلقة " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً " لأنك إذا علقت " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " ونسيت أن هناك محذوف يصبح مفهوم الآية في ذهنك لا تجعل لله أنداداً وأنت تعلم كأنك تقول يجوز أن تجعل لله نداً وأنت لا تعلم , قطعاً ليس هذا المقصود لكن المعنى " ولا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس له أنداداً " فهناك مفعول به للفعل تعلمون حذف لدلالة المعنى عليه وهذا كثير في القرآن هناك مفعول به محذوف دل عليه المعنى أي لا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون يقيناً أنه ليس لله جل وعلا نداً ولا شريك ولا نظير ولا ظهير ولا نصير ولا أي شيء من ذلك أبداً بل الله واحد أحد فرد صمد ليس له شريك ولا ند ولم يكن له كفواًً أحد " فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ " يفهم من هذا أن الشرك والعياذ بالله أعظم الكبائر وهو الذنب الذي لا يغفره الله أبدا والناس قد لا يكون الشريك الذي اتخذوه صنم يعبد ولا يعبد عزرائيل ولا المسيح ولا غيرهما مما عبده غيره في الجاهلية لكن قد يعبد المرء هواه وقد يعبد المرء شيء آخر لا حاجة للتفصيل وقد يعبد المرء شيء آخر بحيث يصبح هذا الشيء يتعلق به القلب حتى يصرفه عن طاعة الله جل وعلا فهذا قد جعل لله ندا سواء علم أو لم يعلم ولكن لا يقال بكفره كفراً أكبر لأن مسألة التكفير سيأتي الكلام عنها أمر يحتاج إلى تفصيل وإلى تأني وتبين ,
آيات التحدي
ثم قال سبحانه " وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين {23} فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ{24} " هذه الآيات تسمى في لغة القرآن آيات التحدي وهي أول آيات التحدي في القرآن حسب ترتيب المصحف وآيات التحدي في القرآن خمس , ومعنى آيات التحدي أن الله جلا وعلا تحدى العرب على فصاحتهم وبلاغتهم أن يأتوا بمثل هذا القران وقلنا إن آيات التحدي في القرآن خمس هذه الآية من سورة البقرة وقوله الله جلا وعلا في آية 38من سورة يونس " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " و الآية 13من سورة هود وهي قوله جلا وعلا " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{13} "
و الآية 88 من سورة الإسراء قوله جلا وعلا " قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً{88} " والتحدي الخامس جاء في سورة الطور في الآيتين 33 و 34قال جلا وعلا " أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ{33} فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ{34} " اجتمع بهذا خمس آيات حسب ترتيب المصحف توالى بعضها بعضاً في تحدي كفار قريش .
لماذا التحدي ؟
مسألة التحدي هذه نقول فيها أن العرب كانوا ليس لهم هماً ولا بضاعة إلا بضاعة الكلام نُصبت على ذلك أسواقهم وقامت على ذلك أنديتهم وكانوا أهل بلاغة وفصاحة وشعر وخطابة ليس لهم تباري و لا تنافس ولا نقد إلا في الشعر والخطابة على هذا قامت حياتهم فجاء نبينا صلى الله علية وسلم بالقرآن من عند ربه وهو يقول إن هذا القرآن من عند الله وهذا الكلام كلام الله فكذبوه قائلين إن هذا الكلام من عندك إن هذا إلا أساطير الأولين فلما كذبوه أخبره الله جلا وعلا إن كان هذا القرآن من عندي كما تقولون فأنا بشر مثلكم وعربي مثلكم وأنتم أهل فصاحة وأهل بلاغة فأتوا بمثله أن كنتم صادقين فاستفزهم الله أيما استفزاز وتحداهم أيما تحدٍ قال الله عنهم " فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ " ثم قال " وَلَن تَفْعَلُواْ " ثم ساوهم بالحجارة فقال " فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ " وأخبر أن وقودها الناس والحجارة كل ذلك ليلهب مشاعرهم ويوقظ الهمم فيهم حتى يتحدوا القرآن ومع ذلك أثبتوا عجزهم وأنهم غير قادرين على أن يأتوا لا بآية ولا بجزءْ من آية فضلاً عن سورة أو عشر سور أو عن القرآن كله فهذا معنى التحدي في الآيات , واختلف الناس لماذا لم يستطيع العرب أن يأتوا بمثل هذا القرآن ؟
- قيل لإعجاز في ذاته. هذا الذي لا ينبغي أن يقال في غيره.
- قيل لمفهوم الصرفة، ومفهوم الصرفة مسألة بلاغية لا نحب أن نطيل فيها، ولكن نقولها على سرعة، قالها رجل معتزلي اسمه إبراهيم بن سيار النظام، قال: إن العرب كانوا قادرين على أن يأتوا بمثل هذا القرآن، لكن الله صرفهم لحكمة أرادها على أن يأتوا بمثله. وهذا قول باطل حتى مشايخ المعتزلة خالفوه على هذه المسألة، و إلا أجمع المسلمون على أن العرب عجزت على أنه تأتي بمثل هذا القرآن لنظمه لأمور عديدة لا تحصى، ومن أراد أن يرجع في مثل هذه المسألة، في كتاب اسمه ( النبأ العظيم ) لرجل عالم اسمه محمد عبد الله دراز من أئمة الدنيا له قدره بلاغية، لكنه مات قبل أن يكمل الكتاب، لكن الكتاب موجود يطبع ويباع كثيراً، اسم الكتاب: النبأ العظيم، وهذا الكتاب مزيته الكبرى أن الرجل أعطاه الله جل وعلا بلاغة وفصاحة عز نظيرها وقل مثليها فمن أراد أن يستزيد في البيان، والقدرة على الكتابة، والقدرة على الخطابة فليكثر من القراءة في هذا الكتاب، فهذا الكتاب ألهم الله جلا وعلا كاتبه قدرة بيانية يعجز الناس في هذا القرن أن يأتوا بمثلها , وله أسلوب غريب وعجيب في قضية أنه يتأسى بالقرآن كثيراً، فلما ذكر قضية الإعجاز مثلاً قال: نحفظ بعض كلامه.[أي كلام دراز ـ رحمه الله ـ ]
قال: فما كان جوابهم، إلا أن ركبوا متن الحتوف ، واستنطقوا السيوف بدل الحروف لما عجزوا عن الإتيان بالبرهان وهذا حيلة كل عاجز يعجز عن الدفاع عن نفسه بالقلم واللسان !!
إلى غير ذلك مما قال والمقصود نحن في مجلس علمي ندل على ما ينفع الناس، قلنا الكتاب اسمه النبأ العظيم، واسمه عبد الله دراز، وأحياناً يكتب محمد عبد الله دراز كما يفعل إخواننا المصريون، يضعون اسم محمد قبل أسمائهم من باب التبرك، نعود للآيات هذه أول ما دلت عليه الآيات.
معاني كلمة عبد في اللغة والشرع
دلت الآيات أيضاً على صدق رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم كما أن في قوله جلا وعلا " وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا " أن مقام العبودية أرفع مقام وأجل منزلة , وكلمة عبد تأتي في الشرع واللغة على ثلاثة معاني:
العبودية الأولى : عبد" بمعنى مقهور: وهذا يستوي فيه المؤمن والكافر.
كل الناس المؤمنون والكافرون عبيد لمن ؟
عبيد لله والدليل في سورة مريم : " إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً " . هذه عبودية مطلقة يستوي فيها المؤمن والكافر والملائكة والجن والإنس.
العبودية الثانية: وهي عبودية بالشرع، وهي ضد كلمة حر، قال الله جل وعلا في سورة البقرة " الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ " . هذا الذي يسترق في الجهاد ويؤخذ كأسير بصرف النظر عن لونه فيسمى عبد بالشرع.
العبودية الثالثة: عبد بالطاعة والإتباع: وينقسم إلى قسمين:
1 ـ طاعة لله، وهذا الذي يتنافس فيه عباد الله الصالحون.
2ـ عبد لغير الله أعاذنا الله وهذا بابه وساع، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم (( تعس عبد الدينار وعبد الدرهم )) ، أي: الذي يطيع هواه يطيع ديناره، يطيع درهمه وهذا مصيره الضلالة والخسران .