ليبيا تنفض "غبار" القذافي فى ذكرى الفاتح من سبتمبر.. روايات من 4 مدن بالمنطقة الشرقية عن "طقوس المخبول" فى الاحتفال.. ومطالب بتحويل 1 سبتمبر إلى عيد لجمع القمامة.. وأزمة العمالة "تتفاقم" فى المرج
أهالي طبرق الليبية يتحدثون لـ"اليوم السابع"
رسالة بني غازي - السيد خضري ومحمد فتحي
قبل عام كان المشهد كالتالي.. "آلاف الطلبة والعمال يحتشدون فى الميادين، نقاط تفتيش أمنية بامتداد الطريق السريع تمنع الانتقال من مدينة لأخرى، أعلام خضراء، لا يزينها أي شعار أو كلماتٍ، ترفرف فى جنبات الساحة الخضراء بطرابلس، وأخيرًا يظهر البطل ملتحفًا بزى غريبٍ أشبه بـ"الستائر" ليلقى كلمة لم يُعد لها مسبقًا فى ذكرى الاحتفال بثورة الفاتح من سبتمبر.
أمّا الآن فقد تغير المشهد جذريًا.. غاب العلم الأخضر وحل مكانه "علم الاستقلال" كما يسميه الثوار بألوانه الثلاثة الأحمر والأسود والأخضر، وبهلاله الأبيض الذي يحتضن نجمة صغيرة، اختفى ملك ملوك إفريقيا وقائد الثورة فى مكان لا يعلمه أحد، وبقيت رسوم ساخرة منه فى الطرقات والميادين، وتنقل أبناء ليبيا من مدينة لأخرى دون شرطة تعتقلهم أو رقيبٍ غاشم يفتك بهم منتظرين نبأ إلقاء القبض على عقيدهم السابق.
أول أمس الخميس، واكب الذكرى الثانية والأربعين لقيام ثورة الفاتح من سبتمبر التى نجح خلالها العقيد معمر القذافي الرئيس الليبي المطارد فى الانقلاب على الحكم الملكي وتأسيس الجماهيرية الليبية، وهى الذكرى الأولى منذ قيام ثورة 17 فبراير التى طالبت بإسقاط نظام القذافي ونجحت فى السيطرة على أغلب المدن الليبية فى انتظار ساعات الحسم التى يبدو أنها أصبحت قريبة للغاية.
"اليوم السابع" تجول فى أربعة مدن ليبية بالمنطقة الشرقية ليرصد مشاهد "أول فاتح بلا فاتح" عبر روايات على ألسنة سكان مساعد وطبرق والمرج وبني غازي، الذين رسموا ملامح الاحتفال أيام القذافي، مؤكدين أنه لم يعكس يومًا موقفهم الحقيقي من نظام العقيد.
فى مدينة مساعد، وعقب تجاوز الحدود "المصرية – الليبية" بأمتار قليلة، قال عبد الكريم سلطان، سائق سيارة أجرة، إن زمن الفاتح ولّى بلا رجعة ، مؤكدًا أن ما أحدثه القذافي فى ليبيا خلال فترة حكمه أو أثناء الأيام الأولى للثورة جعل التعاطف معه أو التحدث عن إيجابيات قام بها أمرًا غير وارد على الإطلاق، مضيفًا: "كنا كالعبيد فى عهده، يحاول التحكم فينا كما يشاء، ويخالف العالم بأجمعه ويطالبنا بإطاعته فمثلاً يقرر بدء رمضان فى وقت مختلف عن كل الدول الإسلامية، وكذلك عيد الفطر".
واسترسل ساخرًا، أثناء تجوله فى شوارع طبرق الهادئة: "تخيل أنه خالف المسلمين حتى فى عيد الأضحى، وقال إن وقوف الحجيج بعرفة العام الماضي غير صحيح".
الهدوء القاتل الذي ساد "مساعد" فى ذكرى الفاتح، انتقل أيضًا إلى مدينة طبرق الساحلية التى بدت وكأنها غير مأهولة بالسكان من قلة الحركة بداخلها.. يقول أحمد صلاح، شاب مصري يعمل فى أحد فنادق طبرق منذ عامين: "ليبيا مختلفة كثيرًا عن مصر، هنا يحتفلون بطريقة "عنيفة" للغاية.. فى العام الماضي، وفى ذكرى الفاتح تصدرت الصواريخ والألعاب النارية المشهد لكنها لم تعبر عن فرحة صادقة داخل المجتمع الليبي" وفسر الشاب المصري حديثه قائلاً: "الشباب كانوا يعتبرونها فرصة للترويح عن أنفسهم ليس أكثر نتيجة البطالة المنتشرة بينهم".
احتفالات بالأمر المباشر
"لا تتصور أن الشباب والشيوخ الذين كانوا يفرحون ويتراقصون فى الساحة الخضراء أو غيرها من المدن كان ولاؤهم للقذافي أو نظامه أو أن ما حدث جاء من باب المحبة أو الاقتناع.. كانوا يخرجون بالأمر المباشر ولو رفض أحدهم لتعرض لأذى بالغ".. كلمات رصد بها كريم "بضم الميم وتشديد الياء" من شباب طبرق سببًا رئيسًا وراء الزحام والزخم الذي كانت تشهده احتفالات الفاتح فى الأعوام الماضية.
أضاف الشاب الطبرقي: "كانت الأوامر تصدر للموظفين والعاملين فى المصالح الحكومية بالخروج إلى الاحتفالات والتواجد فى الميادين حتى المدارس كان يتم إغلاقها فى هذا اليوم ويتم "شحن" الطلبة إلى الميادين للاحتفال" متابعًا: "لقد كان عرضًا مسرحيًا وليس احتفالاً".
فى الطريق الواصل بين مساعد وطبرق وبني غازي تواجدت عدة نقاط تفتيش أنشأها الثوار بعد سيطرتهم على المنطقية الشرقية، كان بعضها خاليًا من رجال الشرطة والبعض الآخر تواجد فيه أفراد أمن معدودين يقومون بإلقاء السلام على المارة دون تفتيش إلا فى حالات نادرة.
يُعلق كُريم على هذا الأمر قائلاً: "فى العام الماضي، كنت لا تستطيع السير يوم الأول من سبتمبر بتلك السهولة، كانت قوات القذافي تنتشر بطول الطريق وتقوم بتفتيش كل المارة وفى بعض الأوقات كانت تقطع الطريق وتمنع سكان المنطقة الشرقية أما الآن فالوضع مختلف تمامًا".
ويتضامن معه عبد الله بورفلي شاب من مدينة البيضاء الليبية، يدرس فى الصف الثالث الثانوي، بقوله: "فى العام الماضي كان الانتقال من مدينة لأخرى فى الأول من سبتمبر بمثابة الحلم أما اليوم فاختلف الأمر تمامًا وبإمكان أي فرد التنقل بين المدن كما يشاء" مضيفًا: "القذافي كان يخرجنا عنوة من المدارس للاحتفال بيوم انقلابه ونحن هذا العام سنخرجه بالقوة من الحكم".
ولم تقتصر وسائل الحشد على إخراج التلاميذ والموظفين الحكوميين من مصالحهم للاحتفال لكنّ نظام الفذافي لجأ إلى طريقة أخرى لإغراء المواطنين إذ كان يقوم بوضع تسعيرة للحضور فيحصل كل مواطن يحضر الاحتفالات على 95 دينار ليبي كحد أدنى وفقًا لرواية عبد الله أحمد أحد سكان منطقة المخيلي والتي أكدها الحاج منصور صاحب إحدى محطات البنزين فى المنطقة ذاتها.
عيد القمامة
غضب الليبيين من نظام القذافي وحسرتهم على تلك السنين التى مرت من أعمارهم فى ظل حكمه "الغبي" على حد وصفهم جعلت بعضهم يطالب بمحو ذكرى الفاتح من الذاكرة الوطنية للبلاد، يقول الحاج حسين عبد الله من سكان المرج: "لا نريد أن نتذكر هذا النظام تمامًا، لا فاتح ولا قافل، نريد أن نبنى ليبيا الحرة" مضيفًا: "الأول من سبتمبر أصبح كغيره من الأيام، لا نعيره أي اهتمام بل على العكس تمامًا فارتباطه بالقذافي جعلنا نكره هذا اليوم الذي لا نريد أن نذكره فى تاريخنا، من اليوم سنحتفل بـالسابع عشر من فبراير فحسب".
فى بني غازي، مهد ثورة الفاتح وعاصمة ثورة 17 فبراير، تزداد اللهجة العدائية صوب "الانقلاب الذي قام به المخبول" على حد قول أبنائها الذين يعتزون بدورهم فى إسقاط الجزء الأكبر من نظام القذافي.
وإمعانًا فى كراهية هذا اليوم، دعا أبناء المدينة الساحلية إلى تسفيهه بطرق مبتكرة، يقول مصطفى الربيعي عضو ائتلاف ثورة فبراير ورئيس لجنة حصر وتوثيق الشهداء والأسرى والمصابين والمفقودين بالاثتلاف: "سيتم الاحتفال بثورة الفاتح ولكن بطريقتنا الخاصة، لقد أطلقنا دعوات لجعله عيد جمع القمامة، والبعض طالب باعتباره يوم نكبة ليبيا" مضيفًا: "هذه الدعاوى لاقت استحسانًا كبيرًا وبعد سقوط القذافي وانهيار نظامه سيبحث المجلس الانتقالي هذا الأمر"
أزمة عمالة
هدوء المنطقة الشرقية بمدنها المختلفة وتجاوز أبنائها عهد القذافي منذ دخولهم فى جلباب المجلس الانتقالي لم يخف أزمات معيشية يعانيها بعض السكان ويحاولون التغلب عليها سريعًا قبل انطلاق العام الدراسي الجديد.
أمام مخبز الجهاد فى مدينة المرج، تكدس المواطنون فى صف طويل متعرج فى منظرٍ اعتادت العين رؤيته فى مصر كثيرًا، الأزمة هنا لم تكن قلة الخبز أو عدم توفر الدقيق لكنها أزمة عمالة تسبب فيها غياب الأيدي العاملة الأجنبية بعد عودة كثير منهم إلى بلادهم عقب انطلاق الثورة، وهى أزمة تسلط الضوء أيضًا على حالة غربية فى المجتمع الليبي الذي يعانى من النقيضين فى ذات الوقت هما "البطالة وقلة العمالة".
يقول القاضي خليفة محمد صالح عضو المجلس المحلى فى المرج إن اصطفاف المواطنين فى المخابز سببه الرئيس هو الاعتماد على العمالة الأجنبية فى تدوير المخابز وبعض الأعمال الأخرى وليس قلة المواد الغذائية كما يتبادر إلى ذهن كثيرين، متابعًا: "المنطقة الشرقية مستقرة تمامًا اقتصاديًا وتتوافر لديها كل الاحتياجات الرئيسية باستثناء غياب العمالة فقط".
وتطرق صالح إلى أزمة رئيسية عانت منها المرج خلال الفترة الماضية وهى حالة الانفلات الأمني التى ترتبت على غياب الشرطة بشكل تام وتفاقمت خطورتها فى ظل تسلح كل أبناء ليبيا أثناء الثورة مضيفًا: "الشرطة التى تعمل الآن غير نظامية هم مجموعة من الشباب الثوار وتواجدهم وإن كان يؤمن الكثيرون إلا أنه غير كاف".
وكشف عضو المجلس المحلى عن دعوة أطلقها بعض المسئولين فى بني غازي والمرج وغيرهما من مدن الشرق لضباط الشرطة تطالبهم بالعودة لممارسة أعمالهم وفتح صفحة جديدة مع الشعب الليبي، مضيفًا: "بعض أفراد الشرطة استجابوا وعادوا للعمل خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان، ويومًا تلو الآخر تتزايد أعدادهم".