دولة جنوب السودان.. دفء مع إسرائيل وبرودة تجاه العرب
عطية عيسوي
قبل انفصال جنوب السودان بشهور قال الرئيس سيلفاكير: "إسرائيل عدو للفلسطينيين وليست عدوا للجنوب"، وقال مسئولون جنوبيون آخرون: "إسرائيل لم تقتل مليونين ونصفا منا كما فعلت حكومة السودان".. هذا ما جعل بعض المتابعين لشأن جنوب السودان لا يستبعدون إقامة علاقات طيبة مع إسرائيل وفتح سفارة لها في جوبا، وهو ما حدث فعلا يوم الخميس 28 يوليو /تموز 2011، حيث أعلنت تل أبيب إقامة علاقات دبلوماسية مع جوبا على مستوى السفراء. كما أن سلطات جنوب السودان أبلغت الخميس وفدا دبلوماسيا يزور جوبا حاليا برئاسة نائب المدير العام لوزارة الخارجية للشؤون الإفريقية يعكوف ريفح بذلك الأمر. جاء ذلك بعد أقل من أسبوعين من إجراء بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل اتصالا هاتفيا مع سيلفاكير وعرضه عليه مساعدة تل أبيب في تطوير البنية التحتية للدولة الوليدة.
هذا هو ما تذرع به الجنوبيون لتبرير السعي لعلاقات مفيدة وتعاون مربح مع إسرائيل بصرف النظر عما تفعله بالعرب والفلسطينيين، معبرين عن مرارة في حلوقهم إزاء إخوانهم في شمال السودان الذين أودت حرب "الاستقلال" معهم –كما يقولون- بحياة ربع سكان الجنوب خلال أطول حرب أهلية شهدتها إفريقيا. لذلك لم يكن غريبا أن يرفع بعضهم علم إسرائيل إلى جانب علم الدولة الوليدة في الاحتفال بقيامها منتصف يوليو /تموز الماضي، في الوقت الذي كان يجرى فيه إنزال علم السودان الموحد.
شهد شاهد من أهلها
الأهداف والمنافع المتبادلة
نفور الجنوبيين من العرب.. الأسباب والعلاج
الدور الإسرائيلي.. شهد شاهد من أهلها
علاقة جنوب السودان بإسرائيل ترجع إلى أوائل ستينيات القرن الماضي عندما انتهجت تل أبيب سياسة "شد الأطراف" للضغط على مصر والعرب في إطار الصراع على أرض فلسطين، وذلك بضرب المصالح المصرية في عمقها الاستراتيجي بالسودان. غذت إسرائيل التمرد في الجنوب بالسلاح الذي غنمته من العرب في حربي 1956 و1967، ودربت الكوادر الجنوبية بمن فيهم قائد التمرد الأول جوزيف لاقو، وأنشأت مدرسة خاصة لهذا الغرض وفقا لما ورد في دراسة للعميد الإسرائيلي المتقاعد موشى فرجي لمركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة تل أبيب عام 2002 بعنوان: "إسرائيل وحركة تحرير السودان.. نقطة البداية ومرحلة الانطلاق". وقد ورد فيها أن إسرائيل زودت حركة تحرير السودان بقيادة جون قرنق (1983-2005) بالأسلحة تم تمريرها عبر إثيوبيا وأن قرنق طلب منها مزيدا من الذخيرة عام 1992 وتقدر بنحو أربعة ملايين طلقة مدفع رشاش.
كما اعترف الرئيس السابق للاستخبارات الإسرائيلية عاموس بادلين في ديسمبر/ أيلول 2010 بمساعدة الانفصاليين في الجنوب بقوله: إن رجاله أنجزوا عملا عظيما في السودان بنقل أسلحة لهم وتدريبهم ومساعدتهم على إنشاء جهازي أمن واستخبارات، ونشر شبكات إسرائيلية في كل من الجنوب ودارفور قادرة على العمل باستمرار. أما وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي أفي ديختر فقال عام 2008: "السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه يشكل عمقا استراتيجيا لمصر، وقد تحول إلى قواعد تدريب لسلاحها الجوى وقواتها البرية بعد حرب 1967 وأرسل قوات إلى منطقة القناة خلال حرب الاستنزاف، وكان لا بد أن نعمل على إضعافه وحرمانه من بناء دولة قوية موحدة من أجل دعم أمننا القومي، فأقدمنا على خلق وتصعيد مشكلة دارفور لكي لا يجدوا وقتا لتعزيز قدراتهم، وهى الإستراتيجية نفسها التي نفذناها في الجنوب ونجحت في تغيير اتجاه السودان نحو التأزم والانقسام وستنتهي الصراعات بتقسيمه إلى عدة كيانات.. إن قدرا كبيرا من أهدافنا تحقق في الجنوب ولدينا الآن الفرصة لتحقيقه في دارفور". وقد ورد كلام ديختر أثناء محاضرة رسمية ذكرتها العديد من الصحف العبرية الصادرة بتاريخ 10 أكتوبر /تشرين الأول 2008.
وحتى لا يظن أحد أن المسئولين الإسرائيليين يقولون ذلك من باب الدعاية لأنفسهم وتضخيم انجازاتهم، يؤكد جوزيف لاقو قائد حركة التمرد الأولى بنفسه لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية (صحيفة هآرتس الإسرائيلية 29يناير /كانون الثاني 2011) أن إسرائيل زودت حركته بالسلاح؛ وكان لذلك الفضل فيما وصل إليه الجنوب الآن، وأن الجنوبيين لن ينسوا هذا لإسرائيل أبدا". قال لاقو إن العلاقات بدأت برسالة شخصية بعث بها إلى ليفي أشكول رئيس وزراء إسرائيل بعد أيام من حرب 1967 عبر السفير الإسرائيلي لدى أوغندا، مهنئا إياه بالنصر على العرب وواصفا الإسرائيليين بأنهم شعب الله المختار، وقد لاقى ذلك الاتصال استحسانا وأذنا صاغية من أشكول. لكن أشكول مات وخلفته غولدا مائير التي حرصت على علاقات قوية مع لاقو، واهتمت أكثر بإبدائه استعداده للعمل على منع الجيش السوداني من الانضمام إلى الجيوش العربية في الحرب ضد إسرائيل إذا حصل على مساعدة منها. ووفقا لـ"هآرتس" دعت رئيس الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير جوزيف لاقو لزيارة إسرائيل والتقاها في القدس واتفقا على صفقة أسلحة شملت قذائف هاون وصواريخ مضادة للدبابات ومدافع خفيفة من غنائم حرب 1967، لكنها رفضت تزويده بأسلحة إسرائيلية الصنع حتى لا ينكشف دورها إذا وقعت في أيدي الجيش السوداني. وبعد وصول الأسلحة إلى جوبا زار الجنوب مستشار عسكري إسرائيلي وآخر فني وثالث طبي وتولوا تدريب المتمردين على استخدام الأسلحة وكيفية إدارة المعارك في الميدان. وعندما أغلق الرئيس الأوغندي عيدي أمين السفارة الإسرائيلية وطرد الإسرائيليين من بلاده بضغط من مصر وليبيا، جرى نقل الأسلحة الإسرائيلية عبر إثيوبيا وساهمت كينيا بتزويد الطائرات التي تنقلها بالوقود.
الأهداف والمنافع المتبادلة
تقتضي الواقعية ألا ينتظر العرب أن تكون دولة جنوب السودان مثالية وأن تتحاشى إغضابهم بإقامة علاقات مع إسرائيل: أولا لأن بعض الدول العربية (مصر والأردن) لها علاقات رسمية مع إسرائيل والبعض الآخر يحتفظ بعلاقات غير معلنة، وليس منطقيا أن تحرم الدول العربية على دولة جنوب السودان ما تحله لنفسها. ثانيا أن الدولة الوليدة تحتاج لمساعدات خارجية ضخمة لبناء اقتصادها الذي أنهكته الحرب، وإسرائيل هي "مفتاح خزائن" أمريكا وأوروبا والمؤسسات المانحة الدولية، بينما الدول العربية "تقدم رجلا وتؤخر الأخرى" بشأن مساعدة الجنوب.
وفضلا عن سعى جوبا لنيل رضا الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى فإنها تحتاج لخبرة إسرائيل في الزراعة والتصنيع الزراعي والغذائي ونظم الري الحديثة ومكافحة الأمراض والإعمار والتعليم واستخراج المعادن. كما تحتاج للسلاح الإسرائيلي وإعادة تأهيل قواتها وتحويلها من قوات كانت مخصصة للقيام بحرب عصابات إلى قوات نظامية، وتأسيس نظام استخباراتي حديث، فضلا عن الحصول على مساعدتها ضد أي تهديد خارجي وبخاصة في حال ما إذا نشبت حرب مع الشمال على الحدود التي مازال 20% منها محل خلاف، أو منطقة "آبيي" الغنية بالنفط، أو دارفور التي تتهم الخرطوم جوبا بمساعدة وإيواء متمرديها، أو بسبب الميليشيات المتمردة على جيش الجنوب التي تتهم جوبا الخرطوم بإمدادهم بالسلاح،.
تضاف إلى كل ذلك مكافحة الإرهاب حيث من المتوقع أن تحاول عناصر من تنظيم القاعدة التسلل إلى الجنوب للانتقام لتقسيم السودان وحماية حقوق المسلمين في الدولة الوليدة بعد أن أصبحوا أقلية وسط أغلبية مسيحية ووثنية وفقا لأحدث إحصائية صادرة عن مجلس الكنائس العالمي.
في المقابل هناك أهداف وراء مسارعة إسرائيل بالاعتراف بدولة جنوب السودان في اليوم الثاني لقيامها لا تقل أهمية ومن بينها توسيع نطاق نفوذها في شرق ووسط إفريقيا لمحاربة الجماعات التي تصفها بالتطرف والتي تستهدف مصالحها ومصالح الدول الغربية وكذلك النفوذ الإيراني، وبصفة خاصة منعها من تهديد السفن الإسرائيلية العابرة للبحر الأحمر. فهناك صراع نفوذ بين إسرائيل وإيران في إفريقيا عموما وتل أبيب تعلم أن إيران وقعت العام 2008 اتفاقية للتعاون العسكري مع السودان. ويؤكد موقع مقاتل أن لإيران دورا حيويا في تسليح جيش السودان منذ سنة 1992.
يذهب موقع "دبكا فايلز" المقرب من المخابرات الإسرائيلية إلى أن إيران أصبحت المورد الأول لسلاحه وأنها تشارك في تدريب القوات السودانية. ولعل القصف الإسرائيلي لقافلة سيارات قيل إنها تحمل أسلحة إيرانية لحركة حماس في قطاع غزة في مارس/آذار 2010 خير دليل على اهتمام إسرائيل بما يجرى في السودان بصفة خاصة. ومن بين أهداف إسرائيل الأخرى تسويق سلاحها في بلد يعيد بناء جيشه بتكاليف قد تبلغ مليارات الدولارات، وكذلك الحصول على مواد خام لمصانعها من أرض بكر حيث النفط والمعادن والغابات، وإشراك شركات إسرائيلية في مشروعات التنمية والإعمار. وأخيرا الضغط على حكومتي الخرطوم والقاهرة للابتعاد عن عدوها اللدود إيران والحركات المدعومة من قبلها مثل حماس وحزب الله وعدم تزويدهما بالسلاح، وتليين موقف مصر إزاء القضية الفلسطينية ومساعي تحقيق السلام.
نفور الجنوبيين من العرب.. الأسباب والعلاج
"أن نكون رأسا لإفريقيا خير من أن نبقى ذيلا للعالم العربي".. شاعت هذه المقولة ورددها كثير من الجنوبيين للحض على انفصال الجنوب متهمين السياسيين في الخرطوم بمعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية بحرمانهم من المناصب القيادية ومن مشروعات التنمية، في الوقت الذي انحازت فيه الحكومات العربية –وفق فهم الجنوبيين- إلى حكومة الخرطوم في الحرب ضد الجنوب بدعوى أنها الحكومة الشرعية التي اختارها الشعب. هذا لا ينفى أنه كان للاستعمار دور في تكريس نزعة الانفصال لدى الجنوبيين حيث قرر الانجليز فصله عن الشمال العام 1930 لمنع تسلل أي أثر عربي أو إسلامي إليه، وعزلوا السكان في وحدات قبلية، وضيقوا الخناق على استخدام اللغة العربية، وقضوا على وجود التجار ورجال الدين الشماليين فيه، وأصدروا قانونا للجوازات يمنع دخول تجار الشمال إليه، وشكلوا قيادة عسكرية للجنوب ضباطها إنجليز ولغتها الإنجليزية وديانتها المسيحية تمهيدا لضمه إلى دول شرق إفريقيا الخاضعة للتاج البريطاني إلا أنهم عادوا في العام 1947 لإلغاء فصل الجنوب وحثوا على السودان الموحد المستقل خوفا من أن يؤدى فصل الجنوب إلى دفع الشمال للاتحاد مع مصر مكونين دولة إسلامية عربية قوية تهدد مصالح بريطانيا في المنطقة. وهكذا حمل الجنوبيون السلاح ضد النظام في الخرطوم وبدأ جوزيف لاقو تمرده بثلاث بنادق وعصى مسممة الأطراف لانتزاع حقوقهم بالقوة. ثم حصلوا على السلاح من إسرائيل وغيرها.
وفي عام 1972 تم توقيع اتفاقية أديس أبابا التي أوقفت الحرب ومنحتهم حكما ذاتيا لم يستمر طويلا لأنه لم يحقق لهم ما طالبوا به بسبب ما اعتبروه التفافا من الخرطوم على بنود الاتفاقية ورفضها تنفيذ بعضها بنية حسنة وكما ينبغي. وفي 1983، وبعد عودته من الولايات المتحدة حيث نال جون قرنق درجة الدكتوراه في موضوع تأثير قناة جونقلي على البيئة المحيطة بها وأسس التنظيم الجديد: "الحركة الشعبية لتحرير السودان" التي واصلت الحرب لتحقيق أهدافها حتى سيطرت تدريجيا على معظم الإقليم، ولم يتبق بيدي الخرطوم سوى المدن الأربع الكبرى وهي: جوبا وبور وملكال وتوريت، ولا شك أن قرنق كان مدفوعا من جهة ما لاستئناف التمرد ولكنه كان مقتنعا في قرارة نفسه أن الانفصال هو الحل برغم أنه ردد كثيرا مطلب الوحدة على أسس جديدة فيما سماه "السودان الجديد" .واستمرت الحال حتى عام 2005 عندما تم توقيع اتفاقية نيفاشا التي منحت الجنوبيين حق تقرير المصير عبر استفتاء عام في 9 يناير /كانون الثاني 2011 كان مآله الانفصال.
لم يقتنع كثير من الجنوبيين يوما ما بالبقاء ضمن سودان موحد، وكثيرا ما وصفوا الشماليين في أدبياتهم بـ"المستعمرين الذين نهبوا ثرواتهم وقتلوا أبناءهم وسبوا نساءهم وأخذوهم رقيقا يخدمون في بيوتهم ومزارعهم". ويعتقد البعض -وأنا منهم- أن مشروع "السودان الجديد" لم يكن سوى مناورة من قرنق لكسب التأييد الدولي والإقليمي وتبرير التمرد. وليس بالضرورة أن يكون وجود ثلاثة ملايين جنوبي في شمال السودان خلال فترة الحرب الأهلية دليلا على رغبتهم في استمرار الوحدة مع الشمال؛ وإنما كان وجودهم أقرب إلى من لا يجد مكانا يؤمن فيه من أهوال الحرب والقتل والجوع والمرض أقرب من شمال السودا.
وفي ضوء الشعور بالمرارة هذا يمكن أن نستشف أن مستقبل العلاقات بين جنوب السودان والدول العربية لن يكون مبشرا، لا بانضمامها للجامعة العربية، ولا حتى بالاحتفاظ بعلاقات طبيعية معها إلا إذا خرجت الحكومات العربية عن ترددها وسارعت بتقديم مساعدات سخية لإعادة بناء اقتصاد الجنوب المهلهل وإقامة بنيته الأساسية، خاصة في مجالات التعليم والصحة والطرق ومياه الشرب والكهرباء. فحسب وكالات الأنباء يوجد نحو 90% من الجنوبيين يعيشون تحت حد الفقر و80% منهم أميون ومثلهم بلا كهرباء، وأكثر من نصفهم بلا مياه شرب صالحة، ومثلهم بدون رعاية صحية لائقة ولا تزيد الطرق المعبدة على مائة كيلومتر في بلد مساحته نحو 700 ألف كيلومتر مربع! ويلاحظ هنا أن الرئيس سيلفاكير أعلن في اليوم الأول للاستقلال أن الجنوب سيطلب في أسرع وقت الانضمام للأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ورابطة دول شرق ووسط إفريقيا (إيغاد)، ولم يشر إلى الجامعة العربية وهى إشارة لها دلالة كبيرة بأنهم لا يعلقون أملا كبيرا على العرب ولا يحرصون على أن يبقوا جزءا منهم.
صحيح أن مصر، حفاظا على مصالحها في الجنوب وخاصة مياه النيل، سارعت بإقامة مشروعات تنموية في مجالات الكهرباء والصحة والتعليم والمياه والطرق وغيرها على نفقتها الخاصة ببناء محطات توليد كهرباء ومستشفيات ومدارس وشبكات مياه للشرب، بالإضافة إلى المنح الدراسية ودورات التدريب التي تقدمها لأبناء الجنوب منذ سنين. وصحيح أنه تم في ديسمبر /كانون الأول 2002 تدشين صندوق إعمار الجنوب تحت رعاية الجامعة العربية لإقامة مستشفيات ومدارس بقدرة تمويلية بلغت مائة مليون دولار، إلا أنه لم ينجز الكثير فيما يبدو بسبب نقص التمويل. كما عقد مؤتمر استثماري في جوبا تحت رعاية الجامعة العربية العام الماضي للترويج للاستثمار في الجنوب، لكن يبدو أن الخوف من عدم الاستقرار لا يشجع المستثمرين على التخلي عن ترددهم. وكان من المقرر عقد مؤتمر ثان في عاصمة خليجية أواخر 2010، لكن الجامعة أرجأته حتى تتضح نتائج الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب.
ومن هذا يتضح أنه لا مستقبل لعلاقات وثيقة ومفيدة بين جنوب السودان والدول العربية دون مساعدات عربية مغرية. أما البديل فهو استثمارات إسرائيلية وصينية وإيرانية وأوروبية وأمريكية ومن دول الجوار التي تقف كلها حاليا على خط التماس تنتظر إشارة الدخول بمخاطرة استثمارية محسوبة.
وليس أبسط ولا أسرع لتحقيق تأثير إيجابي وانطباع حسن عن العرب من أن تهب الحكومات العربية لتقديم منح دراسية مجانية لأبناء الجنوب وإمداد مدارسهم بالمدرسين المتخصصين ولوازم الدراسة من أدوات مدرسية وإنشاء مدارس ومعاهد وكليات في أماكن الاحتياج، وإقامة مستشفيات مجهزة بالأجهزة والمعدات الطبية والمعامل والكوادر البشرية من أطباء وممرضات وتنظيم قوافل طبية لمعالجة مرضى الأمراض المتوطنة مثل الملا ريا والمياه الزرقاء والمياه البيضاء والايدز حيث تشكل الإصابات به في الجنوب نحو 75% من الإصابات في العالم العربي كله حسب منظمة الصحة العالمية. مطلوب أيضا دعوة الجنوبيين للمشاركة في الأنشطة الثقافية والمهرجانات العربية لإشعارهم بأنهم جزء من النسيج العربي وتقديم القروض والمنح التي لا ترد وحث المستثمرين العرب على التوجه إلى الجنوب والتدخل لدى حكومة الخرطوم لحثها على إعطاء الجنوبيين حقوقهم كاملة ضمن عملية اقتسام عوائد النفط ومنشآته، والأرصدة الثابتة، والسماح باستمرار دراسة الجنوبيين في جامعات الشمال لمن يرغب منهم في منحة مجانية أو الحصول على رسوم مخفضة حتى ينشئ الجنوب جامعاته، ودفع معاشات العسكريين والموظفين ورجال الشرطة الجنوبيين ممن استغني عن خدمته في الشمال بعد انفصال الجنوب. هذا إذا كنا فعلا نريد حماية مصالحنا وتحسين صورتنا لدى شعب جنوب السودان.
_______________
خبير في الشئون الإفريقية / المرجع / الجزيرة مباشر