كفي بلطجة!رسالة القوي السياسية
إلي إسرائيل بعد أحداث سيناء:
تحقيق: محمد القزاز:
الغضب الشعبي جاء هادرا, وحماسة الثورة استعادت بريقها, والدم المصري لن يضيع والكرامة أصبحت أغلي ما يملكه المصريون, والغريب أن إسرائيل لم تنتبه إلي أن في مصر ثورة, ففكرت في عمل بالونه اختبار فانفجر في وجهها.
الغضب الشعبي المصري ضد التصرفات الإسرائيلية
وأرادت جس النبض, فجاءها رد الفعل عاصفا ومزلزلا علي كل المستويات: شعبي ورسمي, وتفاعلت القوي السياسية والأحزاب ونحوا خلافاتهم السياسية جانبا وتوحدوا خلف هدف واحد هو اتخاذ موقف شديد وحاسم من إسرائيل تمثل في جملة من المطالب أهمها تسليم قتلة الشهداء للمحاكمة علي أرض مصرية, ومنع الأسطول الإسرائيلي من عبور قناة السويس ودخول قوات إضافية إلي سيناء وطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة وغيرها من المطالب المهمة, وفي هذا التحقيق نرصد ما هي المطالب التي من الممكن تحقيقها والمطالب التي يصعب تحقيقها.
فكرة المحاكمة علي أرض مصرية ليس فيها صعوبة, هكذا يري المستشار نبيل أحمد حلمي أستاذ القانون الدولي, وحينها سيتم تطبيق القانون الجنائي المصري, لكن الصعوبة تكمن في تحديد هوية المنفذين, فهم غير معلومين لدينا, إذ لابد أن يكون هناك فاعل محدد لأنه هو الذي ارتكب الفعل وتسبب بقتل الشهداء, وهذا إثباته صعب إن لم يكن مستحيلا, لأنه لا يوجد شهود ولا أسماء الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجريمة, وهي جريمة القتل, والأفضل لنا من الناحية الواقعية اتباع طرق القانون الدولي, لأن ما حدث هو جريمة عدوان وانتهاك لأراضي دولة ذات سيادة وارتكاب جريمة ضدها وهذا مخالف لقواعد القانون الدولي, وعلينا اتخاذ طريقين رئيسيين, الأول: هو تقديم شكوي لدي مجلس الأمن ضد إسرائيل بقيامها بالعدوان علي مصر, ونستطيع أن نعتمد أيضا علي تقرير قوات حفظ السلم والأمن الدوليين الذي أشار إلي مشاهدتهم للقوات الإسرائيلية تخترق الحدود المصرية, وبالتالي إصدار مجلس الأمن قرارا بتوقيع عقوبات علي إسرائيل سواء وفقا للفصل السادس أو السابع, والفصل السادس من الميثاق ينص علي اتخاذ إجراءات أو تدابير غير عسكرية, علي حين ينص الفصل السابع منه علي اتخاذ تدابير عسكرية لمنع ووقف العدوان ولكن بشرط إذا استمر هذا الطرف في العدوان.
والطريقة الثانية كما يشير حلمي- هي اللجوء إلي المحكمة الجنائية الدولية وذلك من خلال إحالة من مجلس الأمن أو بطلب يتم تقديمه للمدعي العام للمحكمة باعتبار أن إسرائيل قامت بجريمة العدوان, ومن المهم التذكير أن جريمة العدوان كما في حالتنا هذه- أصبحت من الجرائم التي تعاقب عليها المحكمة مؤخرا ومن اختصاصها بعد دراستها, ومن ثم فإنه في حالة اللجوء يكون جميع القادة الإسرائيليين مسئولين بأشخاصهم وتتم محاكمتهم علي هذه الجريمة, ومن ثم نكون قد حققنا الثأر لشهدائنا.
فكرة المحاكمة علي أرض مصرية يراها د. محمد محسوب أستاذ القانون الدولي فكرة دعائية أكثر منها واقعية, إذ يري أن المحاكمة لا ظل لها علي أرض الواقع, كما أن اتفاقية كامب ديفيد نظمت هذه الأمور من خلال الاعتذار والتعويضات, بيد أن الآليات والبنود الموجودة بالاتفاقية غير كافية, والمطلوب هو أن تستثمر مصر قواها الناعمة والزخم الثوري في استعادة نفوذها والضغط السياسي والاستفادة مما حدث وتحويله لصالحها, وإعادة النظر في الشروط المجحفة في اتفاقية كامب ديفيد, سواء بنشر القوات في سيناء أو الشروط المتعلقة بوجود القوات الدولية والدور المخول لها, وإعادة النظر في الآليات الموجودة لمثل هذه الحوادث, فمنذ توقيع الاتفاقية فإن كل الاعتداءات كانت من الجانب الإسرائيلي بحق المصريين, والاستثناء الوحيد كان في حالة الشهيد سليمان خاطر, فالقوات المصرية الموجودة علي الحدود ليس لديها القدرة علي الاشتباك عكس الجيش الإسرائيلي الموجود علي الناحية الأخرى, فعلينا إعادة النظر في الترتيبات الأمنية واستغلال الأوضاع لتغيير الواقع, والقانون الدولي يسمح بذلك خاصة في حالة الانتهاكات المستمرة في تعديل الاتفاقية بين مصر وإسرائيل.
يتفق في الرؤية السابقة نجاد البرعي المحامي والناشط الحقوقي فهو يقول: الحقيقة أن ما يحدث الآن من مطالبة بالمحاكمة هي مزايدة إعلامية ليس إلا, مزايدة علي الحكومة والمجلس العسكري, والمطلوب الآن أن نقف خلف المجلس العسكري, فتداعيات هذا الأمر هو من صميم المجلس العسكري, ولا يجب علي الأحزاب أن تزايد في هذا التوقيت الحرج, فإذا كان من الجائز أن ننتقد المجلس العسكري في السياسة فلا يصح, والحال كذلك, أن ننتقده في الأمور العسكرية, وطرح موضوع المحاكمة غير واضح المعالم, كما أنه لا يصح قانونا, لأن ما حدث هو اشتباك وليس قتلا عمدا, والقانون الدولي وضع طرقا لتسوية المنازعات غير المخطط لها أو غير المقصودة, وكل ذلك يتوقف علي نتيجة التحقيق, هل ما حدث كان مقصودا أم تم بطريق المصادفة, وهي أمور يحسمها القانون الدولي, وليس قانوننا نحن, ثم ماذا نسمي ما حدث من غزة أمس الأول من إطلاق صواريخ علي الأرض المصرية, وهل ستتم محاسبتهم أم سنعتبرهم أشقاءنا وأن دمنا واحد, ولابد أن تكون المعاملة واحدة في كل, ونحن في وقت لا تصح فيه المزايدة السياسية أو الحصول علي شعبية زائفة علي حساب الدم ومصلحة الوطن.
هناك لغط دائر في كثير من القضايا خاصة الحديث عن الاتفاقات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي إذ يوضح كثيرا من النقاط فيها وكثيرا من المطالب بعد الحادث الأخير السفير إيهاب وهبة مساعد وزير الخارجية السابق وأحد الموجودين أثناء توقيع معاهدة السلام, حيث يقول: أولا لابد أن نفرق بين أمرين اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام, فكامب ديفيد كانت تمهيدا لمعاهدة السلام التي نتعامل بها الآن, وهناك خطأ كبير يتكرر منذ فترة ووجب تصحيحه في ذهن القارئ والمواطن المصري, وهو أن سيناء منزوعة السلاح, وهذا خطأ, سيناء ليست منزوعة السلاح بل هي مقسمة إلي ثلاث مناطق, الأولي( أ) وفيها من التسليح والقوات ما لم يكن لمصر هذا العدد في السابق باستثناء الحروب, وهي الموجودة شرق قناة السويس, ثم المنطقة( ب) وموجود فيها وحدات من سلاح الحدود, وأخيرا منطقة( ج) المجاورة لسلاح الحدود ويوجد بها قوات شرطة, وفي السنوات الأخيرة تم تعزيز القوات علي ثلاث مراحل, الأولي عام2005, والثانية في فبراير الماضي, ثم الأخيرة في أغسطس الحالي بـ1000 جندي, وبرغم ذلك فإن هذه القوات لا تتناسب وأوضاع المنطقة حاليا, فالمعاهدة وقعت عام1979, وخلال هذه السنوات تطور السلاح بشكل كبير, وأصبح الحصول عليه سهلا ومتاحا, وبالتالي الأسلحة وأنواع القوات لم تعد تتناسب والتطورات التي حدثت لنشاط الجماعات.
ومن المهم يشير وهبة- معرفة أن المعاهدة صريحة تماما بخصوص إمكانية تعديل ترتيبات الأمن التي تم الاتفاق عليها, إذن الموضوع في غاية البساطة, وهو أن تطلب مصر رسميا إعادة النظر في ترتيبات الأمن خاصة الترتيبات المتعلقة بالمنطقة( ج).
كما لا ننسي أن أمريكا كانت طرفا في توقيع هذه المعاهدة, فالمطلوب منها أن تدعم طلب مصر في إعادة النظر في هذه الترتيبات لمصلحة جميع الأطراف بما فيها إسرائيل, فوزيرة الخارجية الأمريكية كلينتون قالت منذ أيام إنه من الضروري مراعاة الالتزام بترتيبات الأمن التي تم الاتفاق عليها, وإسرائيل نفسها اشتكت من الوضع الأمني, كل ذلك يدفعنا الي المطالبة بالتعديل.
وبخصوص محاكمة الجنود الذين فعلوا ذلك فهو أمر مطلوب, بيد أن ما يقلقنا هو استعادة الأمن, فمصر طالبت بفتح تحقيق في ذلك, وإسرائيل سمحت بمشاركة مصر في التحقيق, وما يدعمنا أن القوة متعددة الجنسيات أصدرت بيانا واضحا ودامغا ضد إسرائيل, إذن فإن ما يهمنا هو التحقيق ومن ثم محاكمتهم المحاكمة الضرورية من أجل تحملهم لأخطائهم وتصرفاتهم التي اقترفوها, كما أن المطالبة بمنع مرور إسرائيل من قناة السويس أمر صعب جدا, لأن ذلك يخضع لاتفاقية القسطنطينية عام1888 التي تعطي حق المرور لكل السفن, والحالة الوحيدة التي يمنع فيها المرور إذا عرضت الأمن الممر المائي أو أحد مداخله للخطر.
وفكرة التصعيد بطرد السفير الإسرائيلي من مصر يراها السفير إيهاب وهبة خطوة متقدمة جدا, إذ يكون ذلك بعد اتخاذ عديد من الخطوات الدبلوماسية التي أري أن مصر اتخذت العديد منها, وعند الفشل تكون هذه الخطوة.
السفير هاني شاش سفير مصر بالأردن سابقا يري ضرورة محاكمة قتلة الشهداء المصريين, فيقول: لابد أن تتم محاكمة هؤلاء الجنود في مصر, ولكن من خلال محاكمة شعبية وحقوقية, وهناك سوابق تمت قبل ذلك في فيتنام, لان المحاكمة الشعبية تمثل نوعا من الضغط الأدبي والمعنوي, ومن أجل الضغط في إعادة النظر لمراجعة البنود الخاصة بحجم وانتشار القوات الإسرائيلية, وأن نستعيد ما فرط فيه الرئيس الراحل السادات, حين تم الاتفاق علي المنطقة( ج) وقال: إنني متفهم الهاجس الأمني للإسرائيليين وتم التفريط بكل سهولة, غير أن المحاكمة الشعبية هذه لابد أن تتوازي مع الطرق الدبلوماسية وتتمثل في: استدعاء سفيرنا في تل أبيب للتشاور, علي ألا يعود إلا بعد معرفة نتائج التحقيق, ويشارك فيه مندوب من مصر ولو بصفة مراقب, إضافة إلي مندوب من جانب الأمم المتحدة لأن من سيقوم بالتحقيق هو الجيش الإسرائيلي لأنهم جنوده ويتبعوه, ولضمان نزاهته لابد أن تمثل الأمم المتحدة في هذه اللجنة, ولابد من المطالبة بنسخة من تقرير قوات حفظ السلام, وأن يكون موثقا وليس كلاما شفيها أو مرسلا.