بسم الله الرحمن الرحيم
تأثير القرآن في اللغة:
نزل القرآن الكريم بهذه اللغة على نمط يعجز قليله وكثيره معاً: فكان أشبه شيء بالنور في جملة نسقه، إذ النور جملة واحدة وإنما يتجزأ باعتبار لا يخرجه من طبيعته، وهو في كل جزء من أجزائه وفي أجزائه جملة لا يعارض بشئ إلا إذا خلقت سماء غير السماء، وبدلت الأرض غير الأرض، وإنما كان ذلك لأنه صفى اللغة من أكدارها، وأجراها في ظاهرها على بواطن أسرارها. فجاء بها في ماء الجمال أملاًُ من السحاب، وفي طراءة الخلق أجمل من الشباب، ثم هـو بما تناول بها من المعاني الدقيقة التي أبرزها في جلال الإعجاز، وصورها بالحقيقة وأنطقها بالمجاز، وما ركبها به من المطاوعة في تقليب الأساليب، وتحول التراكيب إلى التراكيب، قد أظهرها مظهراً لا يقضي العجب منه، لأنه جلاها على التاريخ كله لا على جبل العرب بخاصته، ولهذا بهتوا لها حتى لم يتبينوا أكانوا يسمعون بها صوت الحاضر أم صوت المستقبل أم صـوت الخلود، لأنها هي لغتهم التي يعرفونها.