والإسلام العظيم حفظ للأم حقها ، فأعطاها ثلاثة حقوق ، وأوجب على الولد برها . وفي هـذه العلامة نجد تكريمها بالشهادة ونيل درجة الشهداء إذا ماتت بسبب نفاسها أو تعسرت ولادتها ، ذلك فضل الله الحكيـم الذي أعطى كل ذي حق حقه ، ووضع الأشياء في مواضعها فسبحانه اللطيف الخبير .
9 ـ الموت في سبيل الدفاع عن الدين أو النفس أو المال :
ودفـع الصائل الذي يريد العبث بالأنفس وبالأموال . فعن سعيد بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( من قتل دون ماله فهـو شهيد ، ومن قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، ومن قتل دون دمه فهو شهيد )) رواه أبو داود ، والنسائي ، والترمذي ، وأحمد ، وهـو حديث صحيح . وروي أبـو هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطيه مالك . قال أرأيت إن قاتلني ؟ قال قاتله . قال أرأيت إن قتلني ؟ قال : فأنت شهيد . قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : فهو في النار )) رواه مسلم ، وأحمد ، والنسائي . وعن مخارق ـ رضي الله عنه ـ قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يأتيني فيريد مالي ؟ قال : ذكره بالله ، قال : فإن لم يذكر ؟ قال : فاستعن عليه من حولك من المسلمين . قال : فإن لم يكن حولي أحد من المسلمين ؟ قال : فاستعن عليه السلطان : قال : فإن نأى السلطان عني وعجل علي ؟ قال : قاتل دون مالك حتى تكون من شهداء الآخـرة ، أو تمنع مالك )) رواه أحمد والنسائي بسند صحيح .
10 ـ المـوت على عمل صالح ،
وقـد نوع الله ـ تعالى ـ الأعمال الصالحة ، وضاعف عليها الأجـر ، وبارك بها العمـر ، وكفر بها الوزر ، فمن الناس من يموت وهـو يذكـر الله تعالى ، ومنهم من يموت وهـو يصلي ، ومنهم من يموت وهـو لابس ثياب الإحرام يلبي ، ومنهم من يموت وهـو صائم . وذاك فضل الله يؤتيه من يشاء . وقـد كان السلف يحرصون على ملازمة الأعمال الصالحة ، حتى قال مالك بن دينار : لو استطعت أن لا أنام ما نمت ، ولكن النوم جبلة لابد منه . قالوا له : ولماذا تتمنى ؟ هـذا التمني قال : أخشى أن يأتيني ملك الموت وأنا نائم ، وقـد روي جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : : (( يبعث كل عبد على ما مات عليه )) رواه مسلم . وروي حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( من قال : لا إلـه إلا الله ابتغاء وجـه الله ختم له بها دخل الجنة ، ومن صام يوماً ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة )) رواه أحمد بسند صحيح .
ونحن نؤمن أن الموت غيب لا ندري متى يكون ، والاستعداد له مطلوب على الدوام ، حتى إذا أذن الله به قبض العبد على عمل يرضي الله عنه ، فيسعد سعادة الأبد . ومن صدق مع الله في دنياه وعمل برضاه ثبته الله عند لقاه ، بل ويحب لقاء الله ، ولربما ضحك وهـو يفارق الدنيا ، إذا رأى النعيم ونجى من الجحيم ، فنسأل الله أن يحبب إلينا الإيمان ، وأن يزينه في قلوبنا ، وأن يرزقنا المداومة على العمل الصالح ، وأن يقبضنا على الطاعة ، وأن يجعلنا من المتقين .
11 ـ التوبة النصوح قبل الموت :
والإقبال على الأعمال الصالحة ، وهـذه العلامة قـد تدخل في سابقتها ، إلا أنها توبة متجددة ، وصدق في الإنابة ، وثبات على الاستقامة . فقد روي أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله ))
فقيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : (( يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثـم يقبضه عليه )) رواه أحمد ، والترمذي ، وابن حبان ، والحاكـم بسند صحيح . وفي حديث أبي أمامة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا أراد الله بعبد خيراً طهـره قبل موته . قالوا : وما طهـور العبـد ؟ قال : عمل صالح يلهمه إياه حتى يقبضه عليه )) رواه الطبراني بسند صحيح .
وعن أبي عتبة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا أراد الله بعبد خيراً غسله وفي رواية عسله )) قيل : وما غسله أو عسله ؟ قال : يفتح له عملاً صالحاً قبل موته ثم يقبضه عليه )) رواه أحمد والطبراني بسند صحيح .
12 ـ ثناء الناس عليه :
وذلك بالشهادة له بالخير والصلاح والتقوى ؛ فقد روي أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ
(( أن جنازة مرت بالنبي صلى الله عليه وسلم فأثنى عليها خيراً وتتابعت الألسن بالخـير ، فقالوا : كان ما علمنا يحب الله ورسوله . فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، وجبت ، وجبت .
ومر بجنازة فأثنى عليها شراً ، وتتابعت الألسن لها بالشر ، فقالوا : بئس المرء كان في دين الله . فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت ، وجبت ، وجبت . فقال عمـر : فدى لك أبي وأمي مـر بجنازة فأثنى عليها خيراً فقلت : وجبت ، وجبت ، وجبت . ومـر بجنازة فأثنى عليها شراً فقلت : وجبت ، وجبت ، وجبت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أثنيتم عليه خيراً وجبت لـه الجنة ، ومن أثنيتم عليه شراً وجبت لـه النار . الملائكة شهداء الله في السماء ، وأنتم شهداء الله في الأرض ، إن ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المـرء من الخيـر والشر )) متفق عليه .
وعن أبي الأسود الديلي قال : أتيت المدينة وقـد وقـع بها مرض ، وهـم يموتون موتاً ذريعاً ، فجلست إلى عمـر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ فمرت جنازة ، فأثنى خيراً فقال عمـر : وجبت . فقلت : ما وجبت يا أميـر المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(( أيما مسلم شهد لـه أربعة بخيـر أدخله الله الجنة . قلنا : وثلاثة ؟ قال : وثلاثة . قلنا :
واثنان ؟ قال : واثنان . ثم لم نسأله في الواحـد )) أخرجه البخاري .
وعـن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( ما من مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركـون بالله شيئاً إلا شفعـوا فيه )) رواه أحمد ، وأبـو داود بسند صحيح .
ومجموع هـذه الأحاديث يدل على أن هـذه الشهادة لا تختص بالصحابة ـ رضي الله عنهم ـ بل هـي أيضاً لمن بعدهـم من المؤمنين الذين هـم على طريقتهم في الإيمان والعلم والصـدق .
ومما سبق يتبين أن الصادق في إيمانه هـو الذي يعبد الله حتى يأتيه اليقين ، فلا يصرف وقته إلا لله تعالى ، ولا يفني عمره إلا في إتباع رضوانه ، ولا يبلي شبابه إلا في طاعة سيده ومولاه . فهو كل ساعة ينتظر الأجل ، وكل يوم يوقن أنه مرتحل ، فيحظى بدرجة الصادقين ، ويكون في عداد الصالحين ، فلا يخاف على مستقبله ، ولا يحزن على ماضيه ، بل هـو في جنة الطاعة تتلذذ روحه بكل انقياد ، وتستعد ليوم المعاد . نسأل الله أن يوفقنا للعمل الصالح ، وأن يرزقنا الاستعداد للموت وأمن يثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخـرة .
(( المرجـع ))
(( الأعمال بالخواتيـم )) سعد بن سعيد