الكابتن / يحيى يحيى طـــه Admin
المساهمات : 2600 تاريخ التسجيل : 24/04/2008
| موضوع: لذة الإيمان الجمعة يونيو 04, 2010 2:55 am | |
| لـذة الإيمان : إذا أراد الله ـ تعالى ـ بعبده خيراً : يسر له سبل النجاة ، وحبب إليه مجالس الدعاة ، وحفظه من كل لاعب ولاه . وليست اللذة في طعام الأبدان ،ولكنها في غذاء الأرواح . وليس النعيم هـو التنعـم بالدنيا ، ولكنه التنعم بالآخـرة ، فإن أنعم أهل الدنيا من أهل النار ، يغمس غمسة واحدة في النار فينسى بهذه الغمسة كل نعيم ، وإن أشد الناس بؤساً في الدنيا من أهـل الجنة ، يصبغ صبغة في الجنة فينسى كل بؤس وشدة.فقد روي أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار ـ يوم القيامة ـ فيصبغ في جهنم صبغة ، ثم يقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت خيراً قط ؟ هل مر بك نعيم قط ؟ فيقول : لا والله يارب . ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة ، فيصبغ في الجنة صبغة فيقال له : يا ابن آدم ، هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول : لا والله يارب ، ما مر بي بؤس قط ، ولا رأيت شدة قط )) رواه مسلم .وقد عاشت آسيا بنت مزاحـم في بيت الإلحاد والكفـر والمجون ، والعهـر والتمرد والسكر ؛ لا تعرف من الحياة إلا حياة البهائم والأنعام التي همها بطنها وفرجها ، وعاشت تتقلب في النعيم ؛ بين الخدم والحشم ونسيت ربها ، فأنساها نفسها ، وما وجدت أحداً يذكرها بالله تعالى ، فكانت تعاني من ظلام القلب ، وانحراف المنهج ، وانتكاس الفطرة ما أخرجها عن إنسانيتها . وفي يوم من الأيام المجيدة في حياتها هيأ الله لها داعية يدعوها إلى الخيـر ، ويحذرها من الشر ، ويعرفها بالله تعالى ، ويربطها بالهدى ، ويوصلها طريق النجاة ، ويحذرها طريق الهلاك ؛ فاستيقظت بعد غفلتها ، واهتدت بعد ضلالها ، وسعدت بعد شقائها ، وكانت هدايتها على يد موسى بن عمران ـ عليه السلام ـ عندما وضع بين يديها في التابوت ، وهـو لا يزال رضيعاً لا يتكلم ولا يعي ، ولا يدرك ولا يميز . ولكن الله تعالى فتح قلبها لمحبته ، فقالت لزوجها ـ فرعون ـ : قرت عين لي ولك . فرد عليها : بل قرة عين لكي أنت ، أما أنا فلا أريده قرة عين لي . وقد استجاب الله دعوتها ؛ إذ جعل موسى قرة عين لها عندما أسلمت على يديه ، وتركت الكفـر وظلمته ، ووجدت الإيمان ولذته ، وندمت على أيامها الخالية بلا إسلام ، وتعجبت كيف صبرت على تلك المرارة ، وكيف تذوقت ذلك العصيان ، وقضت بقية حياتها في سعادة مع أهل الإيمان والعمل الصالح ، فكانت خاتمتها حميدة ؛ إذ سألت ربها الجوار قبل الدار ، قال تعالى : (( وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين )) { التحريـم 11 }وقبل الله دعاءها وأحياها بالإسلام بعد الكفـر والظلام ، وجعلها داعية في بيت الشرك والإلحاد لتبين محاسن الإسلام ، ولقيت من الأذى ما يلقاه أمثالها . وفي الآية حث على الصبـر في الشدة ، أي : لا تكونوا في الصبـر عند الشدة أضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون ـ وقـد كان أعتى أهل الأرض وأكفرهم بالله تعالى ـ فو الله ! ما ضـر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ، ليعلموا أن الله حكـم عدل ، لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه . وقد روي عن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ : أن امرأة فرعون كانت تعذب في الشمس فإذا آذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها ، وكانت ترى بيتها في الجنة فتضحك ، فيقول فرعون : انظروا لهذه المجنونة نعذبها فتضحك . ولكن كيف لا تضحك وهـي ترى النعيم المقيم ؟! ومن صور تعذيبها : أن فرعون كان يقول : انظروا أكبـر صخرة فألقوها عليها ، فرفع الله روحها إليه وألقيت الصخرة على جسد بلا روح . وقد قال أبو العالية الرياحي : إن امرأة فرعون حضرت عذاب ماشطة بنت فرعون التي كانت تمشطها ، وفي يوم من الأيام سقط المشط من الماشطة فقالت : تعس من كفر بالله تعالى ، فقالت لها بنت فرعون : ولك رب غير أبي ؟ قالت : ربي ورب أبيك ، ورب كل شيء ، هـو الله تعالى ، فلطمتها بنت فرعون على وجهها ، ثم أخبرت أباها ، فأحضرها فرعون ثم قال لها : هل لكي رب سواي ؟ فقالت : نعم ، ربي وربك ورب الوجود هـو الله الواحد القهار ، فأوتد لها أربعة أوتاد . وشديها ورجليها ، وأرسل عليها الحيات ، ثم قال لها يوماً : ما أنت بمنتهية ؟ قالت : كيف أترك التوحيد ، وعبادة الرب العظيم . فقال لها : إني ذابح ابنك في فيك إن لم تعودي عن دينك ، قالت : افعل ما تشاء . فذبح أبنها على فمها ، وهـي تراه وتنظر إليه ، وتقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهـم آجـرني في مصيبتي ، واخلفني خيراً منها فناداها ابنها : أبشري يا أمي ؛ فإن لك عند الله تعالى أعظم الثواب ، وذبح الابن الثاني كالأول فرأت امرأة فرعون هـذا المشهد المرعب ، فازدادت بذلك إيماناً . كملها الله تعالى مع قلة من النساء ، ففي الحديث الذي رواه موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( كمل من الرجال كثيـر ، ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام )) متفق عليه .بل ورد في أحاديث فيها نظـر : أنها من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة ، فلقد ذكـر ابن كثيـر حديث سعد بن جنادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن الله زوجني في الجنة مريـم ابنت عمران ، وامرأة فرعـون ، وأخت موسى )) رواه الطبراني . والله أعلم بصحة ذلك .فرحـم الله آسية ، ورضي عنها ، ورفع قدرها ، وجمعنا بها في الفردوس الأعلى مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقاً ، وكثـر الله في البيوت المؤمنة مثلها ؛ يوم أن تقدم رضوان الله ـ الله تعالى ـ على رضوان غيـره ، يوم أن تقدم عبادته على عبادة غيره ، ويوم أن تصبـر على الأذى في سبيل الله تعالى ، ويوم أن تعلم أن الطريق إلى الجنة محفوف بالمكاره ، يوم أن تتلذذ بالإيمان مـع العذاب ، يوم أن تقول لفرعـون : اقض ما أنت قاض ، فإني وجدت الذي أتمناه من السعادة والسكينة والطمأنينة .فسلام عليها في الصالحين ، وسلام عليها في الخالدين ، وسلام عليها في العالمين . | |
|